موقع جبل خالد الأثري …أوابد تتكلم

إعداد/ عبدالرحمن محمد –

على الضفة الغربية لنهر الفرات شمال سورية وعلى ارتفاع 100م يقع موقع جبل خالد الاثري وهو موقع هلنستي على نحو صرف، ويبعد تقريباً 60 كم جنوب الحدود التركية، أسس مبكراً في القرن الثالث ق.م على أرضية عذراء، وترك الموقع في العقود العشرة المبكرة من القرن الأول ق.م.

اكتشف الموقع في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، أثناء حملات الإنقاذ الأثرية التي سبقت بناء سد الفرات التي قامت بها البعثة الأسترالية بإدارة غرايم كلاركGraeme Clarke ، ودلت المكتشفات على وجود مدينة محصنة بسور ضخم, يبلغ طوله أربعة كيلومترات مزود بثمانية وعشرين برجاً مربعاً، تبلغ مساحتها هكتارين ضمت بقايا قصر ومنازل.

لمحة تاريخية عن الموقع:

بعد تقاسم مناطق نفوذ الإسكندر اثر وفاته بين قادته، استطاع سلوقس نيكاتور تثبيت حكمه في سورية، بينما اختار بطليموس الحكم في مصر. وبهذا أصبحت سورية ومصر أجزاءً من العالم الهلنستي، حيث اللقاء الحضاري، والتفاعل بين المنطقتين. وتميز العصر الهلنستي بالجهود الكبيرة الموجهة نحو إنشاء المدن وتنظيمها، وشهدت سورية في هذا العصر تطوراً عمرانياً واسع النطاق، ظهرت التجارب الاولى في تأسيس مدن صغيرة غير منتظمة مستديرة الشكل (مثل مدينة جرابلس) أو مضلعة، أو ذات مخططات منتظمة لها شكل رقعة الشطرنج تبناها السلوقيون (أنطاكيا، دورا أوربوس وجبل خالد).

السويات الأثرية وأهم المكتشفات الأثرية:

يتكون هذا الموقع من مدينة عسكرية وسكنية تعود إلى الفترة الهلنستية، ويعد موقع جبل خالد نموذجاً مشابهاً لموقع دورا أوربوس،، وتم الكشف فيه عن أربع مراحل أثرية. المرحلة الأولى وهي الأبكر، تعود إلى نهاية القرن الرابع ق.م زمن تشييد جدار المدينة المرتفعة حتى بداية القرن الثالث ق.م، أما المرحلة الثانية فتبدأ من نهاية القرن الثالث وحتى بداية القرن الثاني ق.م. والمرحلتان الاخيرتان الثالثة والرابعة فتعودان إلى نهاية القرن الثاني ق.م وحتى نهاية الفترة الهلنستية. وتظهر أعمال التنقيب الأثرية أن الموقع كان مستعمرة عسكرية سلوقية، بالإضافة إلى أنها موقع حراسة لهذه المنطقة الاستراتيجية شمال سورية. كما أن موقع جبل خالد لعب دوراً مهماً على المستوى المحلي والإقليمي وفي السفر داخل البلاد على طول النهر. ومن خلال مقاطع النقيب عثر على” الأماكن العسكرية بما فيها القصر والأماكن الإدارية. المعبد إضافة إلى السوق التجاري. المنازل السكنية. السور الخارجي والذي يحيط بالقطاعات السابقة”.

وأهم المكتشفات في الموقع:

 قصر الحاكم: ضمن طوق الأكروبول في المقطع “a” ويمتد على مساحه واسعة جداً، بلغت مساحته 2750 م2، ويتألف البناء من 30 غرفة، نظمت حول فناء مركزي كبير ذو أعمدة من النوع الدوري. توزعت الغرف بشكل منفرد، وتظهر معظم جدرانها مطلية وملونة. والغرف متنوعة الأحجام تحوي مداخل كبيرة وحمامات، وردهات متوزعة في الجهات الأربع. وخلال أعمال التنقيب تبدو الغرف الأصلية ثرية نوعاً ما لأنها حوت على أختام رسمية فُسرت كمناطق رسمية إدارية. أما المناطق الوظيفية الأخرى المنفصلة فهي متصلة بصفوف الأعمدة المركزية، وتحتوي أحواضاً كبيرة.

المعبد: في المقطع “b” وقد بني المعبد بتركيب خاص، يتألف من هيكل يتقدمه ستة أعمدة في كل من الجبهة والأروقة الخلفية، وهذه الأعمدة ليست موجودة على الجانبين (المنطقة b). وكانت كلا الواجهات الشرقية والغربية الدورية مزيفة، استخدمت الأعمدة الصغيرة للاماكن ذات الاسطح القصيرة نسبياً، ولكن عدة ميزات قياسية من النوع الدوري كانت غير موجودة.

أعطى هيكل المعبد مزيداَ من الاختلافات للبنى الدينية اليونانية والمقدونية، حيث أن الابعاد في المعابد الأغريقية تبدو متطاولة، أما أبعاد الهيكل لمعبد جبل خالد فتبلغ10×21.8 م، مما يجعها أوسع مما كانت عليه ومطابقة لأسلوب مخطط الارضية، بالإضافة إلى أنه تم تقسيم النصف الغربي للهيكل بجدران داخلية. وقد بني المعبد على ثلاثة مراحل، المرحلة الاولى تعود إلى300-  145ق.م،  بني فيها الفضاء الخارجي (التيمنوس) حول الهيكل، المرحلة الثانية تؤرخ بـ 145 – 74 ق.م.

المقبرة: تقع المقبرة خارج أسوار المدينة وتم التنقيب فيها في الأعوام 1996-1997م. و فيها نوعان من المقابر، الأولى هي قبور منحوتة بالصخر والثانية عبارة عن حفر أرضية, أي استخدمت بالاعتماد على التربة . إضافةً لوجود بعض المقابر تحت أسوار المدينة مباشرة. كما عُثر على 42 قبر وذلك بين الأعوام 1996-1997م.

كما تم العثور على مئات اللقى والمنحوتات والقطع الأثرية، وعينات عظمية ضمت آلاف القطع، وطبعات أختام هلنستية ذات مواضيع مختلفة تتضمن مراسلات رسمية تجارية أو إدارية.

أثناء عمليات التنقيب اُستخدمت نماذج من التحاليل النباتية والحيوانية لتشكيل لمحة عن الحياة السكانية والاقتصاد الزراعي وعلم البيئة المحيطة بمنطقة جبل خالد.

في نهاية العصر الهلنستي تحولت المدنية الى خراب في العصر الروماني، وخلال العصرين الروماني والبيزنطي أدى تحول الطرق الى فقدان أهميتها وهجرها.