لا شروط مسبقة بين الأشقاء

نوري سعيد (كاتب)-

إن الشروط المسبقة أسلوب يلجأ إليه طرفان بينهما عداوة كالحالة القائمة بين أمريكا وإيران في ملف الاتفاق النووي، حيث تشترط ايران رفع العقوبات من قبل إدارة بايدن عنها ومن ثم الدخول معها في الحوار، وأيضاً شرط حل الدولتين الذي تتبناه الدول العربية لحل المسألة الفلسطينية مع إسرائيل.

 أما عندما يتعلق الأمر بين طرفين شقيقين، المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية في موضوع وحدة الصف الكردي، فلا تجوز الشروط، لأن الأمر يتعلق بمصير شعب لاقى ولا يزال الأمرين، نتيجة حالة التشتت والتفرق وعدم الوحدة بين أطراف حركته السياسية وتمسك كل طرف بموقفه الذي قد يكون وبالاً على اللقاءات بين الطرفين. وإذا كان الحوار الكردي قد توقف بسبب تصريح، فما أكثر التصريحات التي تطلق من هنا وهناك، فهل معنى ذلك أنه علينا ألا نتفق حتى يرث الله الأرض ومن عليها؟! لذا ولطالما همّ كافة أطراف الحركة الكردية في سوريا إيصال شعبنا المظلوم إلى بر الأمان وتحقيق أهدافه المشروعة في الحرية والعيش بكرامة، فعلينا أن نتجاوز كل ما يعيق ذلك وأن نضع مصلحة الشعب فوق كافة الاعتبارات الأخرى وأن تتبع المثل القائل: (كبرها بتكبر صغرها تصغر).

وفي هذه الأوقات حلفاؤنا عالمياً وإقليمياً يطالبون منا أن يكون لنا موقف ورأي موحد حتى نضمن وقوفهم إلى جانبنا، ونفرض أنفسنا كرقم لا يمكن تجاوزه في الأزمة السورية، وتجربة الأشقاء في باشور لا تزال ماثلة أمام أعيننا وكلنا يعلم بأنه لولا التوافق الذي حصل بين الطرفين الكرديين هناك ما كان بالإمكان تحقيق الفيدرالية. طبعاً هذا لا يعني أن الكرد في سوريا يطالبون بالفيدرالية بل نحن نطالب بنظام لا مركزي ديمقراطي وأن تكون سوريا لكل السوريين، كما لا يجوز اعتبار المسائل التي يجري النقاش عليها بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية على أنها شروط مسبقة أو مواضيع خلافية، بل يجب اعتبارها مواضيع إشكالية تتطلب الحل من قبل الطرفين ويجب حلها معاً بروح أخوية ومسؤولة، سواءً كانت حول كيفية الانضمام للإدارة الذاتية أو المعتقلين والمناهج وغيرها، لأننا لسنا أعداء، ويجب أن يسود المباحثات جو من التسامح والتفاني وتحمل المسؤولية وعدم تغليب المصالح الحزبية الضيقة، حتى تحظى برضى شعبنا الذي ينتظر ساعة الإعلان عن تحقيق وحدة الصف الكردي بفارغ الصبر، ونتمنى من كل قلوبنا ألا يخيّب طرفا الحوار آمال شعبنا وأن يكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهما، لأن الظروف التي نمر بها وسنمر بها صعبة ومصيرية، والكل يعلم بأن المنطقة في حالة مخاض بعد الإعلان عن موت اتفاقية سايكس بيكو 1916 وعدم صلاحيتها للقرن 21 والاستعاضة عنها بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، الذي لا يقل سوءاً عن الأول، ولكن هذا المرة يتم التنفيذ تحت يافطة الديمقراطية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تهديدات أردوغان المستمرة باحتلال شمال وشرق سوريا من عفرين وحتى دجلة وبعمق 30 كم. لذلك علينا أخذ الحيطة والحذر قبل أن يرتكب هذا الدكتاتور جريمة جديدة من خلال احتلال ما تبقى من أرض شمال وشرق سوريا بعد احتلاله كري سبي وسري كانيه بموجب صفقة جديدة مع الروس كما حصل في عفرين، في الوقت الذي يتباكى فيه الضامن الروسي على وحدة وسيادة سوريا ليل نهار والطيران الإسرائيلي يسرح ويمرح في أجواء سوريا. وفي هذه الأجواء التي لا تبشر بالخير لا بل تشير إلى مزيد من التأزم، لم يبقَ لنا نحن الكرد إلا خيار الوحدة والتوافق، حتى نحافظ على وجودنا ونعزز قوانا الذاتية، لأن الدول الكبرى لا تهمها سوى مصالحها بالدرجة الأولى، ولولا دماء شهدائنا الأبرار التي سقت أرض الوطن وانتصار (قسد) الأبطال وإلحاق الهزيمة بداعش عسكرياً في الباغوز بدعم من التحالف الدولي، ما كنا لنحظى بهذه المكانة التي نتمتع بها عالمياً وإقليمياً، وعلينا ألا نكون سبباً في ضياع هذه الفرصة التاريخية المتاحة لنا الآن، لأنها لو ضاعت لا قدر الله قد لا تعود لمئة عام أخرى، وهذا ما لا يتمناه كل من يحمل ذرة من الكردايتية.