سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الكنيسة السريانية في منبج… شاهد على التاريخ

تقرير/ آزاد كردي-

روناهي/ منبج- تعتبر الكنيسة السريانية إحدى الشواهد الأثرية التي تدل على عظمة تاريخ منبج القديم، وأيقونة تاريخية تروي إرثها وحضارتها للأجيال المتعاقبة 
تقع الكنيسة السريانية وما حولها من السور في حي الصناعة وسط منبج، ضمن الأحياء المكتظة بالسكان والعامرة بالحياة. وكانت الكنيسة قد شهدت صوراً من الإجرام؛ بتدمير البنى التحتية لها من قبل مرتزقة داعش الذين قاموا بردمها في حادثة تدل على الوجه الخفي للإرهاب المتطرف. وبهذا الصدد، التقت صحيفتنا “روناهي” بالخبير الأثري عبد الوهاب شيخو الذي حدثنا عن بناء الكنيسة وتاريخها وأعمال مديرية الآثار للحفاظ عليها.
تنويعات أثرية
حول موقع الكنيسة السريانية وأهميته، حدثنا الخبير الأثري؛ عبد الوهاب شيخو عن ذلك قائلاً: “مع اتساع النهضة العمرانية التي حدثت في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي في مدينة منبج، أفسح المجال مع مرور الوقت لشق عدة طرق خارج سور المدينة القديم في الطرف الشمالي، وتبين وجود سويات أثرية، ما حدا بالبعثة السورية والفرنسية عام 2009م إلى العمل في الموقع، وكشفت البعثة المشتركة عن سور الكنيسة، إضافة لعدد من لوحات الفسيفساء تعود للفترة اليونانية متأثرة بعدة حضارات سابقة إلى جانب بعض القبور في الطرف الشمالي. وعملوا على ترميم لوحات الفسيفساء التي تحوي صوراً حيوانية، من ضمنها طائر البط وهو يقع على يسار المحراب وتعبر عن ملحمة صيد أسطورية، بينما في الطرف الجنوبي عثر على لوحة تحمل كتابات دينية يونانية، كتب داخلها بشكل دائري اسم رجل الدين المتبتل العابد بشكل سري؛ كرياكوس”.
من الأوثان إلى العبادة
وأضاف شيخو: “أثبتت الأبحاث والدراسات التي قامت بها البعثة المشتركة أن الكنيسة تقع خارج سور المدينة القديمة في الحي الذي يعرف بالحي البيزنطي. وكان أن انتشر دين المسيحية بعد أن اعتمدتها الإمبراطورية الرومانية على يد الإمبراطور قسطنطين فقد حول هذه الأماكن الوثنية وقبور الشهداء إلى – مزارات – واتخذت كنائس فيما بعد، وهذا يدل على أهمية هؤلاء الشهداء لا سيما في مرحلة الدعوة السرية. فنبذ كل العادات والخرافات والتقاليد الوثنية القديمة وأبدلها بالكنائس، وهي عبارة عن مزارات لشهداء المسيحية الذين ضحوا في بداية الديانة المسيحية في مرحلة الدعوة السرية في ظل الرومان”.
دلالات وأساطير
في الكنيسة محتويات قيّمة من حيث الدلالة التاريخية والدينية؛ وعن محتويات الكنيسة أشار شيخو إلى ذلك بالقول: “تضم الكنيسة أرضيات، عليها كتابة يونانية لاسم ديونيسوس أو باخوس وفق الأسطورة اليونانية المأخوذة من طراز يوناني قديم، وهي عبارة عن فسيفساء، من نوع حجر الرخام، مؤلف من عدة ألوان. أما اللوحة الأساسية عبارة عن فسيفساء تمثل صوراً آدمية مهشمة الوجوه تحكي عن أسطورة ديونيسوس أو باخوس لإله الخمر والنشوة عند اليونان مجسدة على الأرضيات في الطرف الغربي من الكنيسة، وهذا التجسيد من التصوير دليل على التعاقب الحضاري للمدينة.
ازدهار كنائسي
ويشير الخبير إلى التطور والتوسع في البناء الكنسي وعددها خارج السور: “نتج عن اعتناق الرومان للديانة المسيحية؛ بناء العديد من الكنائس التي تقع خارج حرم سور المدينة القديمة مثل: جبلة الصيادة في الطرف الغربي ودور دادا في الطرف الشرقي. كما وذكرت ضمن المصادر الثانوية أن هناك أربعة كنائس داخل المدينة، وأكثرها تعود لفترة الإمبراطور قسطنطين في القرن الخامس الميلادي إضافة إلى فترة الإمبراطور جوستنيان، كما هو الحال في كنيسة اليعاقبة التي أنشئت بعد عام 527م. ودفعت الإصلاحات والنهضة التي حدثت في عهده إلى اهتمامه بالعمران عبر إنشاء تحصينات دفاعية تدل على الرخاء الاقتصادي، ومما سمح بذلك زواجه من ثيودورا المنبجية التي كان والدها رجل دين أيضاً”.

مديرية الآثار واستمرارية العمل
ومختتماً حديثه حول أعمال مديرية الآثار في مدينة منبج وريفها للحفاظ على الكنيسة، قال الخبير الأثري عبد الوهاب شيخو:” بعد تأسيس مديرية الآثار في مدينة منبج وريفها التابعة للجنة الثقافة والفن بتاريخ 25/7/2017م قامت بتبني مسؤولية الحفاظ على الكنيسة ثم عملت على تنظيفها وبالأخص اللوحات، وعملت أيضاً على إنشاء منصة حديدية لحمايتها من السرقة والأخطار الطبيعية، إضافة إلى وضع حراسة عليها علاوة على توثيق وأرشفة هذا الموقع الأثري الهام”.
الجدير ذكره، أنه وبعد سيطرة مرتزقة داعش على منبج وريفها، قاموا بجرف الكنيسة جرفاً جائراً بمعدات ثقيلة من الآليات حتى الوصول إلى البنية التحتية الإنشائية، بما فيها الآبار والدياميس؛ ما أدى لتخريب هائل وتدمير للكثير من هيكلها ومقتنياتها واللوحات والدلات التاريخية العامة.