المثقف ودوره التاريخي

آلدار خليل-

في ظل موجة التغيير التي تعصف بالمحيط الإقليمي والدولي لم تعد الأمور كما كانت قبل عقود من الزمن، حيث سلطة وسلطان والشعب برمته كان يلتزم الكتمان يعصر  في داخله ألم ووجع كما حال كل الشعوب التي عايشت فترة هيمنة الأنظمة الشوفينية الفردية الحكم والممارسة لكافة الصلاحيات دون أي اعتبار لإرادة الشعب. هذا التغيير جعل من المجتمع ينهض بقواه الفكرية والثقافية والمجتمعية وحتى السياسيّة، بحيث بات له الدور الأكبر في إثبات جدارته من كافة النواحي والمجالات، الجانب الأهم الذي يمكن التركيز عليه في هذا الطرح تلك الشريحة المثقفة، الواعية، المتعلمة والتي تحمل مهاماً تاريخية كونها تمثل وجدان وضمير المجتمع وتشمل هذه الفئة كل الكتّاب، الأدباء، الشعراء، الإعلاميين، الفنانين على اختلاف تنوعاتهم، هذه الشريحة لها دور مهم ورائد في العمل على نقل الحقائق وكذلك إيصالها بالشكل السليم، أيضاً لديهم الإمكانات في إدراك المخاطر وحجمها وبالتالي يمكن لهم في أن يختاروا الوقت المناسب؛ لطرح وجهات نظرهم. بحيث تكون مواكبة للتطورات ومراعية للشروط الموضوعية التي تمر بها مجتمعاتهم.

بكل أسف هناك من يحاول وعبر هذه الفئة القفز من فوق الحقائق لا بل يقبل أن يكون أداة لأطراف معينة ضد شعبه وضد إرادة مجتمعه، منهم من يحاولون أن يمتطوا سحابة التغيير المذكورة في البداية وبالتالي إبراز حرصهم على المجتمع عبر اختيار أمور عملياً لا علاقة لها بالواقع وإن كان لها علاقة؛ فهي لا تتناسب مع المرحلة أو التوقيت الذي يكون فيه المجتمع أحوج لمواقف واضحة ومحددة ولا يمكن له أن يتحمل المزيد من الضغط عليه.

يمكن إسقاط هذا المشهد اليوم عملياً في واقع الحال الذي نمر به في روج آفا – شمال وشرق سوريا سواء في الشق المتعلق بالوحدة الوطنية الكردية وسعي البعض ممن يسمون أنفسهم بالإعلاميين أو المثقفين في طرح ما لا يخدم هذا التوجه وعجزهم لمسك العصا من النصف، كذلك في الشق المتعلق بالإدارة الذاتية وعملها ومهامها. بالمجمل يمكن أن يكون هناك ملاحظات ونقد وهذه حالة طبيعية ولا بد من نقدها لكن من المهم ألا تكون الأمور حتى في شكل النقد متجهة لخدمة الآخرين دون المجتمع الذي يتحدث عنه هؤلاء ويدّعون حرصهم عليه.

الشريحة المثقفة الواعية الإعلامية والفنية لها دور أسمى وأرقى من أن يسعى البعض وتحت هذا العنوان من استرضاء الاحتلال القائم على مجتمعه، من استرضاء من يهاجم مجتمعه ويزيف الحقائق، من استرضاء من يسعى وعبر طرح شعارات معينة في عرقلة مسيرة مجتمعه نحو النضال من أجل الديمقراطية. هذه الشريحة لها دور تاريخي. لذا؛ من يجد نفسه بأنه ينتمي إليها يستطيع أن يكون من الذين لازموا المواقف التاريخية وساروا نحو الحفاظ على مجتمعهم حتى ولو كان هناك نقد على هذا الواقع أو كان هناك تقصير. لكنه؛ لم يسمح لأن يمر أي أحد مستغلاً هذه الأمور نحو غرس الخلاف وإذكاء الفتن والصراع في مجتمعه الذي هو ينتمي إليه- أي المثقف-.

سمة المجتمع الديمقراطي أن يكون فيه اختلاف في الآراء والأفكار ولكن حينما يكون هناك هجوم خارجي هدفه الوجود من عدمه عندها لا يمكن أن يقف أصحاب الخلاف في الآراء بمواقف المتفرجين. ولكن؛ يمكنهم الدفاع عن مجتمعهم وفق إمكاناتهم وعندما تهدأ الحدة في الهجوم آنذاك يمكن طرح ما يمكن طرحه سعياً نحو التغيير الذي يخدم المصلحة العامة كشرط، أما الاتفاق أو التحول لجزء من الهجوم الخارجي فور حدوثه لا بل الاصطفاف مع من يريد تدمير مجتمعك أو إبادة شعبك وإنكار هويتك وأنت تذهب لاسترضائه وأنت على أمل  منحك بعض الحقوق فتلك عدا عن التآمر فهي شراكة حقيقية في تسهيل عمل العدو ومساعدته في تحقيق مناله بوقت أسرع.