سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

واقعٌ كارثي.. انتشار ظاهرة الدجل والسَّحَرَة وغياب المحاسبة

تقرير/ غزال العمر-

روناهي/ جل آغا ـ لا يزال الجهل منتشراً ومتفشياً بين البسطاء في ريف ناحية جل آغا في شمال وشرق سوريا؛ رغم التطور والتقدم الكبير الذي وصل إليه العلم؛ فكم من شخص وقع ضحية جهله وعدم تحكيمه لعقله، فتراب القبور والاحتفاظ به ماذا ينفع؟ والخيوط الخضراء المشدودة حول معصم اليد ماذا تحقق من الأماني؟!
“الغريق يتعلق بقشة” كلمة رددها أغلب الأشخاص الذين التقت بهم صحيفتنا “روناهي” التي حاولنا من خلالها التغلغل في أوساط المجتمع كافة؛ لنرصد آراء الناس في استمرار تفشي مثل تلك الخرافات وتصديقها، فكم من امرأة خسرت مالها وكم من رجل فقد عقله؛ بعد أن ظن ذووه بأن علاجه عند السحرة والمشعوذين ضاربين بالطب والأسباب العضوية عرض الحائط.
“ابنك مسحور وبطريقه للجنون”
 تعاني المواطنة (ع . م) ٥٥ عاماً من أهالي ريف ناحية جل آغا الشرقي من مرض ابنها الذي أكَّد لها “الشيخ” بأنّه مسحور من خلال طعام قد أكله بطريقة ما، ولا بد من فكه حسب تعبيرها.
توجهت (ع ـ م) قاصدة رجلاً معروف عند أهل المنطقة بأنّه “ساحر يجمع ويصرف الجن الموكل بخدمته” تحت مُسمى الشيخ. “ابنك مسحور ويتصرف لا إرادياً وإن بقي على هذه الحالة ستتدمر حياته فهو بطريقه للجنون”، بهذه الكلمات الموجعة المخيفة من قبل “الشيخ” تلقت الأم صدمتها بابنها؛ لتسأل متلهفة عن الحل وماذا ستفعل بعد أن اسودت الدنيا بعينها، ففلذة كبدها على وشك أن يفقد عقله.
ساحر يستعرض قدراته أمام أم مفجوعة!
“سبعون ألفاً هو علاج ابنك وستدعون لي؛ سأعيد له عقله وصوابه وتوازنه”.
تقول الأم ما إن سمعت كلامه حتّى ارتاح قلبي فابني خارج سيطرتنا ولم نعد نعرف طعم النوم. فتح الشيخ كتاباً وأخبرنا تفاصيل السحر الذي عمل له، وفي أيّ مكان موجود، فهو يعلم بـ”الغيب والروحانيات”. الأم تهمها النتيجة دون التفكير ملياً بهذا الكلام، وبالفعل دفعت المبلغ المطلوب وبدأت رحلة العلاج، طلاسم وأرقام وأشكال غريبة يخطها الشيخ على ورقة بيضاء؛ ويعزم ويحضر الجن ويضرب الابن ليخرجه من جسده.
“أما حبوب الدواء الغريبة ما إنْ أكلها حتى بدأت معدته تتقطع والشيخ يبشر بالخير؛ فالألم دليل قاطع لبلعه للطعام المسحور. “ورق التين المطحون يلفه الشيخ كالسيجارة ويشعله ويقربه من أنف ابني”، هكذا شرحت الأم ما حصل معها لإنقاذ ابنها من الجنون.
طلاسم وخطوط غريبة والمطلوب ذبيحة
إنها عملية حرق الجان المزعوم من قبل “الشيخ” الذي يحار العقل في أمره وكيف يعرف من أين ومتى وكيف حصل هذا؟ وكأن يديه صنعت وأنجزت كل هذا!.
أما الرجل الذي أثقلت الهموم كاهله لما حل بابنه من داء لا يعرف سببه في الستين من عمره، المواطن (ف . هـ)، والد الشاب المصاب الذي بدا متأثراً لوضع ابنه النفسي والعصبي الصعب قائلاً: “أعطانا الشيخ علاجاً وبخوراً وحجاباً ونأمل شفاءه على يديه، وطلب مني الساحر ذبيحة بعد تعافي ولدي كي يطعمها لأصحابه من الجن؛ كي لا يعود المرض لابني. وأنا مستعد لذلك رغم  ضعف حالي، مردداً بألم: إنه ابني”.
يقومون كل مساء وقبل المغيب بسكب الرصاص ثلاث مرات؛ فابنهم مصاب بالعين حسب تشخيص “الشيخ” إلى جانب السحر أيضاً.
يردد الشيخ: “حظ ولدكم قوي لأن عمله المعمول له لم يدفن في المقبرة فالسحر الأسود ليس هيناً”.
حجاب القامة استغلال لبراءة مواليد جدد
فقد الوالد وعيه عندما بشره بهذا الخبر لكن من الفرح هذه المرة؛ فالحرز الذي سيحصنه به من أقوى الحجب الفعالة. أنها “القامة” حجاب يلف بكيس يولد فيه الجنين يقرأ عليه الشيخ ويخبئه الشخص في ثيابه لتحفظه وتزيد رزقه.
القامة غشاء رقيق يولد الجنين ملفوفاً به، يتاجر به ضعاف النفوس من الطاقم الطبي ويبيعونه للسحرة والمشعوذين الذين يؤكدون قيمته العالية، لأن الطفل مخلوق بريء غير مكلف ولم يرتكب المعاصي بعد حسب زعمهم؛ محاولين بهذا الكلام استغلال البراءة لأعمال نجسة لا تمت للمنطق ولا الأخلاق ولا الدين بصلة.
أما الشاب المريض فقد بدا مستسلماً مصدقاً لجنونه الذي ربما ليس إلا مجرد نوبة عصبية سببت له انهياراً نفسياً كبيراً؛ بسبب ضغوط الحياة المتراكمة وصعوباتها المعيشية.
أبخرة وخرز وحجابات مكتوبة بطريقة غير مفهومة لقاء أموال كثيرة؛ متذرعين بالدين وكلام الله ومتسترين به بعمائم يلفونها لا يميزون بعملهم حلالاً ولا حراماً؛ فما ذكرناه ما هو إلا غيض من فيض ونقطة ببحر الخرافات والدجل، واقعٌ سلَّطنا عليه الضوء لتكون للجهات المعنية كلمة الفصل في تجريم وسجن وتغريم كلّ من يخط بقلمه حكم الجنون المحتوم؛ لأناس ساقتهم أقدامهم ليكونوا ضحايا لمثل هؤلاء الذين يشكلون كارثة على المجتمع.