سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قتل النساء بين الانزلاق النفسي والارتزاق

 

 

روناهي/ منبج – ازدادت في الآونة الأخيرة جرائم قتل النساء و”انتحارهن” بشكل غير مسبوق في مناطق الشمال السوري وبأضعاف في عفرين المحتلة، وبدوافع مختلفة، منها جرائم بذريعة “الشرف” والدافع المادي والنفسي… إلخ

يتخذ القتل بحق المرأة شكلاً ممنهجاً وتحت ذرائع غير أخلاقية وبطرق وأساليب غير إنسانية، والهدف من كل ذلك؛ الحط من قدرها وشأنها وقتلها إن لم يكن جسدياً فنفسياً أو أخلاقياً. وحول هذا الموضوع، أجرت صحيفتنا “روناهي” استطلاعاً للرأي مع عدد من النساء بمنبج حول ظاهرة القتل المستشرية مؤخراً في مناطق الشمال والشرق السوري، وعلى وجه الخصوص في عفرين المحتلة.

العنف؛ قتل لشخصية المرأة

وحول العنف الذي يؤدي إلى القتل، تحدثت المواطنة خديجة تمو قائلةً: “يقترن العنف النفسي بالعنف الجسدي، إذ إن المرأة التي تتعرض للعنف الجسدي تعاني من آثار نفسية كبيرة”.

وذكرت أنه يمارس بعدة طرق، منها “إضعاف ثقة المرأة بنفسها والتقليل من قدراتها وإمكانياتها وتهديدها بالقتل”. ولفتت بأن أثره يتجلى على المرأة عن طريق شعورها بالخوف أو الاكتئاب أو فقدان السيطرة على الأمور من حولها، أو على شكل نوبات من القلق أو انخفاض مستوى تقديرها لذاتها، منوهةً بأن الغضب من أهم العوامل المدمرة لصحة المرأة، وإذا تفاقم الوضع قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة، بحسب خديجة.

 

القضاء على التعنيف؛ بالتدريب

مضيفةً بأن أبرز الحلول المناسبة لحماية المرأة في ظل هذا الواقع يكمن في خضوع المرأة إلى برامج توعوية في مراكز مخصصة للنساء.

وبيّنت خديجة تمو بأن من أهم الأمور التي من المقرر أن تستفيد منها المرأة هي المحافظة على صحتها وممارسة الرياضة. كما يمكن أن تخضع إلى دورات فكرية مكثفة يمكنها من التدريب لأجل تمكين نفسها، وتابعت: “لا سيما وأن المرأة باتت في مناطق شمال وشرق سوريا أكثر تمرساً على مواجهة ظروف العنف التي تؤدي إلى القتل”.

التبعات النفسية والاجتماعية، دوافع جرائم القتل

من جهتها، أشارت المواطنة أمينة عبد الطائي أن قتل النساء تحت مسمى جرائم “الشرف” المرتكبة بحق المرأة هي الأكثر شيوعاً، وقالت: “يعتبر قتل النساء على خلفية “الشرف” من أبشع أنواع العنف الممارس بحق المرأة، وهذا العنف ناجم عن خلل في مراكز القوى المجتمعية وفرض ثقافة السلطة والتمييز القائمة بين الجنسين”.

مشيرةً إلى أن القتل على هذه الخلفية يعد جريمة مرتكبة بحق أجيال قادمة لما لها من تبعات نفسية واجتماعية على الأسرة والمجتمع، وتقف عائقاً أمام تقدم وتطور المجتمع.

وذكرت أمينة أهم الأسباب المؤدية إلى ذلك: “أولها؛ غياب القوانين والتشريعات الرادعة الصارمة بحق كل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم، وثانيها؛ عدم توفر الجرأة لدى النساء للاعتراض على حكم العادات والتقاليد الاجتماعية البالية، وثالثها؛ عدم توفر الوعي الكافي في المجتمع مما يجعل النساء يصمتن مستسلمات ومؤيدات لهذه الجرائم التي ترتكب بحقهن ويضعهن في موقع الضحية وكبش الفداء”.

حلول ناجعة لمواجهة القتل بذريعة “الشرف”

وحول أهم الحلول المناسبة لجرائم القتل هذه، أكدت أمينة بأنه ينبغي بذل جهود من أجل حماية المرأة من استشراء هذه الظاهرة بكل الوسائل المتاحة. ونوهت: “أبرزها؛ استنكار عمليات العنف والقتل ضد النساء، إلى جانب أخذ هذا الموضوع على محمل الجد من قبل المجتمع والمؤسسات القانونية والتشريعية حتى لا يتفاقم الأمر وينهار النسيج الاجتماعي”.

ولفتت أمينة عبد الطائي إلى ضرورة توجه الإعلاميين والأكاديميين وكل ذوي اختصاص إلى تنظيم حملة مجتمعية ضد هذه الظاهرة؛ بهدف القضاء عليها، واستئصال جذورها الكامنة في ثقافة الإقصاء وثقافة الاستخفاف بحياة النساء. إضافةً إلى ضرورة دراسة موضوع قتل النساء بعمق من جميع الجوانب ومناقشتها من حيث القوانين ورأي الشرع والدين والإسراع فوراً في تعديل القانون.

 

مستويات غير مسبوقة من حالات الانتحار

وبدورها، أعربت خديجة الشواخ أن الانتحار من أكثر الجرائم التي تلجأ إليها المرأة بحق نفسها، ووضحت: “إن الانتحار؛ هو الفعل الذي يتضمن تسبب الشخص عمداً في قتل نفسه، ويرتكب الانتحار غالباً بسبب الضغوط الممارسة على المرأة من طرف ما. وقد سجلت حالات الانتحار في الشمال السوري بنسبة كبيرة وبشتى الأنواع، حيث سجلت ثماني حالات انتحار في الشمال السوري في الآونة الأخيرة”.

“الاحتلال التركي، يداه ملطخة بقتل النساء”

ونوهت أن هناك حالات جديدة من حالات الانتحار تسجل يومياً في مدينة عفرين المحتلة، تضاف إلى سجل حافل من الانتهاكات اليومية والفوضى والفلتان الأمني، إذ أحدث انتحار الشابة “آرين كلو” – المتزوجة وأم لأطفال صغار والبالغة من العمر 19 عاماً في حي الأشرفية بمدينة عفرين – ردة فعل شديدة تجاه الدوافع الكامنة وراء ذلك الانتحار. وقد تعرضت آرين كلو إلى مضايقات بسبب سوء الأوضاع العامة في ظل تصاعد الخلاف العرقي والطائفي ضد الشعب الكردي بعفرين.

استمرار الأزمة السورية فاقم من قتل النساء

وذكرت أن ارتفاع معدلات الانتحار في سوريا ازدادت خلال سنوات الحرب الدامية بصورة حادة مقارنةً عما كانت عليه قبل سنوات الحرب التي تعيشها البلاد ولاسيما ارتفاع حالات الانتحار في المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال التركي بعدما كانت سوريا تصنف بين الدول الأقل في معدلات الانتحار في العالم حتى نهاية عام 2010، على حد تعبيرها.

واختتمت خديجة الشواخ حديثها عن سبب هذا الازدياد في حالات انتحار النساء قائلةً: “بدأت تتزايد حالات الانتحار مع انطلاق الحرب السورية؛ بسبب ولادة الفكر المتطرف المدعوم من الاحتلال التركي المتدخل في الأزمة السورية. ووصلت حالات الانتحار بعد تدخل الاحتلال التركي، حسب إحصاء أولي في مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، إلى ذروتها؛ فقد بلغت حوادث قتل النساء بطرق مختلفة إلى الآلاف متزايدةً في العام الجاري إلى مستوى قياسي، أما مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا فقد سجلت فيها حالات أقل مقارنةً بعشرات الحالات شبه اليومية في مدينة عفرين المحتلة”.