ما هو قوميّ وما هو وطنيّ

 فاروق حجي مصطفى –

ما إن انطلق حديث الحوارات الكردية حتى قامت القيامة في ساحة ما تسمى بالمعارضة السورية، فأصدرت تيارات محسوبة على المعارضة، بيانات لدحض هذه الحوارات، وحشدت ضدها النداءات، وعقدت حولها الندوات، وقدمت صورة الحوارات الكردية كما لو أنها مؤامرة ليس فقط على مستوى شمال شرق سوريا، إنما على مستوى كل الأمة السورية.

وفي وقت أن البعض تحدث عن المواقف السلبية أو الإيجابية من التيارات السورية المتنوعة بدا أن موقف بعض تيارات المعارضة متشنجاً وحتى معادياً حتى على الرغم من أن الحوارات الكردية، والاتفاقات لاحقاً تأتي في سياق دعم للمعارضة، وذلك من خلال تضييق “البون” الذي ما لبث وتحوّل إلى عبء بات يؤثر على أداء المعارضة في العملية التفاوضية، والدستورية، وفي مسائل المناصرة والحشد.

وبدلاً من أن تنظر المعارضة إلى الحوارات الكردية على أنها تخدم عملية الحلول للأزمة السورية، وتقيّمها إيجابياً، وأن تبدي استعدادها في دعم العملية الحوارية، وتحسين أدائها وتطوير أدواتها، لجأت إلى أسلوب البيانات والإدانات والاتهامات، فأثرت بذلك على نفسها وسمعتها سلباً، وقدمت صورتها للعامة على أن هذه المعارضة لا يمكن أن تقود العملية السياسية، ولا أن تحقق مستقبلاً آمنًا للسوريين، وحقوقاً متساوية لكل المكونات المجتمعية والسياسية حتى تصبح سوريا، بالفعل سوريا الديمقراطية، أي تعكس صورة كل الشعب والذي يتألف من قوميات وأديان ومذاهب ولغات وطوائف مختلفة، ونحن نعلم جيداً بأن كل الأطراف الكردية لم تقل يوماً بأن لها مشروع منفصل عن بقية المشاريع السورية، فيما يتعلق بمسألة مستقبل سوريا الديمقراطي.

وعلى الرغم من ذلك فقد جيشت المعارضة جيش كبير للوقوف في وجه أي تقارب كردي – كردي، في لحظة أنها ومنذ انطلاق الثورة وحتى يومنا هذا أجرت عشرات التغييرات، والكتل التنسيقية السياسية، فعل سبيل المثال لا الحصر، أنّ جزء من الهيئة التفاوضية الحالية أتى من مؤتمر أنطاليا الأول في أواسط ٢٠١١ وسرعان ما أصبح هذا المؤتمر نواة للمجلس الوطني السوري، ومن بعد ذلك تشكل ائتلاف المعارضة وثم الهيئة التفاوضية والتي تشكلت من عدد من المنصات، منصة موسكو، ومنصة القاهرة، وهيئة التنسيق، فالائتلاف، ولاحقاً المجلس الوطني الكردي، وعدد من المعارضين المستقلين السياسيين الموالين للمعارضة.

والحال، ومنذ أن أصبح الحوار الكردي – الكردي واقعاً، ومثاراً للتفاؤل لدى الشارع الكردي، ومرحباً به من قبل الأصدقاء، لم تقف بعض الشخصيات المعارضة عن طرح أسماء لتجمعات، وهيئات، وتحالفات، وغالبيتها خلبية، وآخر الأسماء “وثيقة العهد الوطني” وتجدر الإشارة أنّ هناك بعض الكرد قد وقّعوا على تلك الوثيقة.

ما يثير الانتباه هو أنّ هناك لغط أو التباس في مسألة ما هو قومي وما هو وطني، وكما لو أنّ التمسك بتحسين موضع قومية في السياق أو النسيج الوطني تهمّة، وبالرغم من أنّ الحركة الكردية ومنذ انطلاقتها لم تفصل نضالها القومي عن النضال الوطني في وقت آنّ التشكيلات الفيسبوكية والبيانات الجديدة تعبّر عن روح مناطقي وبوتقي وأناني؛ وتجدر الإشارة أنّ غالبية التكتلات جديدة النشأة من حيث التوجه أو توجه “الخطاب إلى منطقة “الجزيرة” بطريقة سمجة.

بقي القول، إنّ الحوار الكردي – الكردي، وإن كان يجري بين الأحزاب الكردية إلا أنّ فضاء النقاشات والتفاهمات الأولية لم تخرج من كونها وطنية بامتياز، وهذا مؤشر على أن الحوار القائم هو حوار وطني منطلقاً من أساس قومي، التموضع السياسي والجغرافي المحليين حتى تكون لاحقاً بحجم كل المساحة السورية وذللك تجنباً لخلط لمفهومي، ما هو قومي وما هو وطني!