No Result
View All Result
المشاهدات 5
في مساء الخامس والعشرين من (آب)، خَلَد سكان مدينة بومبي الإيطالية إلى أَسرّتهم، ولم تشرق عليهم شمس اليوم التالي أبداً. ففي تمام الثامنة صباحاً، احترقت السماء، واشتعل الأفق، وحجب الدخان كل ضوء حتى بدا أن الليل حلّ في وسط النهار. زُلزلت الأرض وهاج موج البحر، ارتعدت الأبنية ودوت في الفضاء صرخات مذعورة ما كان لها من مجيب.
جبل فيزوف العالي الذي ارتفع في سماء مدينة بومبي وازدان به الأفق لم يكن في الحقيقة سوى بركان. بدا فيزوف خامداً، لكن في أعماقه ظلّت الحمم تهيج لحقب طويلة في انتظار تلك اللحظة التي ستُقذف فيها إلى الخارج، وفي ذلك اليوم من العام 79 حانت الساعة المشؤومة؛ أذاب لهيب الحمم كل أشكال الحياة في بومبي، وأذاق قرابة الـ 2000 إنسان ميتة من أبشع ما يكون، ودفنها تحت طبقة سميكة من رماد وصخور. في يوم واحد، انمحت من فوق سطح الأرض مدينة امتدت حضارتها مئات السنين.
بقيت بومبي محض ذكرى تحملها الكتب، مدينة تحدّث عنها المؤرخون دون أن يدري أو يتذكّر أحد أين كانت. لكن في العام 1709، أثناء حفر بعض العمال لقناة في أرض مهجورة، كشفت الأعماق عما بدا كبقايا بيت قديم، وبتوالي أعمال الحفر، ظهرت بيوت وشوارع وجثث متفحمة. حينها، عرف المهندسون أنهم يقفون في تلك اللحظة فوق حطام مدينة بومبي التي أحرقها البركان وظلّت ضائعة طوال أكثر من ألف عام.
منذ ذلك الوقت، بدأ علماء الآثار عملهم في المدينة، وما اكتشفوه مدفونا كان مدهشا بكل المقاييس. بدا وكأن الأرض التي يقفون عليها توارت عن أعين الزمن، وظل كل شيء فيها ثابتا على الحالة التي انتهى إليها في ذلك اليوم من عام 79.
انتهى وجود أهل بومبي في لحظة ثارت فيها نيران بركان غاضب، لكن مدينتهم التي كانت لهم منبعا للمُتَع هي اليوم بالنسبة لنا معين لا ينضب من آثار وتحف ولوحات تُصوِّر حياة جميلة عاشوها قبل ألف عام. فحتى اللحظة، لم تكشف بومبي عن كامل أسرارها، وما زالت أجزاء كثيرة منها مدفونة تحت الأرض وتُخبِّئ معها قدرا كبيرا من الفن والجمال. فإن كان وجودنا الإنساني هشًّا ويمكن أن يُمحى من فوق وجه الأرض في ثوانٍ، فلحُسن الحظ يمكننا أن نُخلِّف وراءنا تراثا يبقى شاهدا أننا كنا هنا، أننا عشنا وضحكنا وأحببنا وبكينا قبل أن نرحل.
وكالات
No Result
View All Result