سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

نماذج من أدبِ الأوبئة

تقرير/ رامان آزاد –

لا تتوقفُ عين الادب على رصدِ الواقعِ المعاشِ بل حتى الهواجسِ والمخاوفِ وتصوراتِ المستقبلِ، وكانتِ الجوائح والأوبئة من جملة المواضيع التي تناولها أدب الأوبئة سواءٌ التي تعرضت لها البشريّة، أو تلك المتوقعةُ بالأفقِ غير المنظور. وربما كان الوباء إشارة مجازيّة لواقع المجتمعِ والإشكالات الاجتماعيّة والأخلاقيّة التي يعانيها.
وإذ نعرض جردة مختزلة لبعض الأعمال فإنّه يُتوقعُ أن تلهمُ أزمة وباء كورونا اليوم أدباءً ليتحدثوا عن ظروف انتشار الوباء والدعوة لعالمٍ أكثر حرضاً على الصحة العامة بعدما دقِّ الوباء ناقوس الخطر وأكّد أنّ البشرية كلها ركاب مركبِ الحياة تتشاركُ البلاء والمصير.
الوباءُ في النصوصِ القديمة
في الميثولوجيا الإغريقيّة نجد ملحمة هوميروس “الإلياذة” التي يفترضُ أنّ أحداثها بالقرن 9 ق.م، وتبدأ الأحداثُ بأسر أجاممنون كريسيس فتكونُ العاقبةُ إصابة جنودٍ الإغريق بالطاعون، أي ربط العلاقة بين الوباء والخطيئة.
نجد الوباء ببُعده الأسطوريّ والأدبيّ في ملحمة سوفوكليس “أوديب ملكاً”، فالطاعون يصيبُ طيبة فيكلفُ الملكُ أوديب كريون باستطلاعِ الأمر من معبدِ دلفي، ليخبره العرّاف، أنّ الوباءَ عقوبة جماعيّة لأهل المدينة، بسببِ ارتكابِ شخصٍ جناية قتل الملك لايوس (والد أوديب)، وتأخذ الأسطورة بعداً مجازياً بأنّ القتل يُوجبُ الحسابَ الجماعيّ، وعندما يعلم أوديب أنّه قتل أباه وتزوج أمه يقتلع عينيه، فيما تقتل أمه نفسها شنقاً.
النصوص الدينيّة ذكرت قصصاً من هذا القبيل وكان الوباءُ عقاباً إلهيّاً عن الخطايا، وأصبح ذلك جزءاً من الميراث الثقافيّ لمجتمعاتنا، وورد بالقرآن الكريم “فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُّجْرِمِينَ” (الأعراف-١٣٣).
ذكر الجاحظ في كتابه “الحيوان” عن حمى الأحواز فقال: “وقد تحدث تلك السِّباخُ وتلك الأنهار هواءً فاسداً يفسدُ كلَّ شيءٍ يشتمل عليه ذلك الهواء”.
وصفة بوكاشيو السرد القصصيّ في فترة العزلة
الروائيّ الإيطالي جيوفاني بوكاشيو كتب روايته “ديكاميرون” Decameron حيث تدور الأحداث في فترة طاعون “الموت الأسود” الذي اجتاح أوروبا بين عامي 1348-1352، وتسبب بموت نحو ثلث سكان القارة، وقدم صورة عن الدور المحوريّ الذي يضطلع به السرد في أوقات الأوبئة والكوارث. تحتوي الرواية على 100 قصة تقتفي خطوات شخصيات من طبقات وخلفيات اجتماعية مختلفة لاستكشاف على نطاق أوسع في نهاية المطاف، كيفية عمل المجتمعات في مواجهة الأزمات الصحيّة. تحكي الرواية قصة عشرة أفراد من فلورنسا يعزلون أنفسهم ذاتيّاً في فيلا خارج مدينة فلورنسا الإيطاليّة لأسبوعين أثناء تفشّي الطاعون، ويتناوبون خلال هذه الفترة على سردِ قصصٍ عن الأخلاقِ والحب والسلطة والتجارة والجنس. ويعكسُ السردُ منهجيةً جديدةً لمناقشة البُنى والتفاعلات الاجتماعيّة في بداية عصر النهضة، كما تقدّم القصص أساليب إعادة تنظيم الحياة اليوميّة الروتينيّة التي توقفت بسبب الوباء.
 فشل السلطة
فشل الإجراءات الحكوميّة في احتواء تداعيات الكوارث نجده لدى إدغار آلان بو في قصته القصيرة “قناع الموت الأحمر”، 1842. وتحكي محاولة الأمير بروسبيرو من وباء “الموت الأحمر” الذي يسببُ نزيفاً قاتلاً من المسام. فيجمعُ ألفاً من رجال الحاشية في دير منعزل بعد أن أمدّه بوسائل الرفاهية والأبهة، ويقيم لهم حفلة تنكريّة بحجّةِ أن “العالم الخارجي يمكنه أن يعتني بنفسه، كما أنّه من الحماقة أن تحزن أو أن تفكر». ولكن شخصية غامضة تحضر بزي ضحية الموت الأحمر وتأخذ طريقها إلى غرفة بروسبيرو الذي يخوضُ صراعاً قبل موته، ومن ثم يموتُ ضيوفُ الحفلة واحداً بغد الآخر.
الراية الصفراء في “الحب في زمن الكوليرا”
رواية “الحب في زمن الكوليرا” يستخدم غابرييل غارسيا ماركيز الكوليرا بطريقةٍ تخدم قصة حب معقّدة بين فلورنتينو وفيرمينا، وتبدأ بسن المراهقةِ وتستمر بعد تجاوزهما السبعين من العمر ويمران بمتغيرات اجتماعية وسياسية تشهدها منطقة الكاريبيّ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث الحرب الأهليّة وصراعُ حركاتِ التحرر بالتزامن مع الوباء، في قالب روائيّ يجمع بين لوعة العشق وقسوة الحرب وجائحة وباء الكوليرا وظروف الحجر الصحيّ، هي رؤية فلسفيّة تجعل الحب سبيل نجاة من الواقع، وانتقالاً إلى واقعٍ آخر حيث أعراض الحب فيه كأعراض الكوليرا. ويدين ماركيز يدين المنظومة الاجتماعيّة والدينيّة عبر شرح واقع الوباء الذي يجتاح منطقة مهمشة. ويأخذ العزل رمزيّة الراية الصفراء التي تُرفع فوق السفينة التي استقلها العاشقان، وهي علامة وجود مصابين بوباء الكوليرا على متنتها فلا يُسمح لها أن ترسو في أيّ ميناء فقط للتزود بالوقود.
في عام 1911 كتب الروائيّ الألمانيّ توماس مان رائعته الروائية “الموت في فينيسيا” والمترجمة إلى العربيّة باسم “الموت في البندقية”. حيث نظر إلى الوباء من منظور جماليّ وحلله فلسفيّاً متأثراً بفلسفة فردريك نيتشه وشوبنهاور.
رواية الطاعون، للفرنسيّ ألبير كامو،
“الطاعون”، رواية للكاتب الفرنسيّ ألبير كامو التي صدرت عام 1947، وهي عملٌ كلاسيكيّ وجوديّ، يؤكّدُ على قوة صمودِ الإنسان بمواجهةِ الموت والمعاناة، ترصد الروايةِ قصة عاملين بالحقلِ الطبيّ يعملان معاً بمدينة وهران الجزائريّة التي كانت مستعمرة فرنسيّة وأصابها وباء الطاعون عام 1942، وتطرح الرواية جملةَ مواضيع حول ماهية القدر ومصير الإنسان في ظروف انتشارِ الشائعاتِ والأخبار الكاذبة لبعثِ الأملِ بالنفوس. والواقع أنّ الرواية تجاوزت ظاهر الحكايةِ لتستهدف رمزيّاً كل ما يهدد حياة الإنسان ويستبيح المجتمع، كالفساد والتغييب الفكري باسم الدين، وامتهانَ الرأسماليّةِ لقيمة الإنسانِ. وكذلك نجاح العزل الذاتيّ بخلق حالةِ وعي بقيمةِ التواصل البشريّ والعلاقات الإنسانيّة بين مواطني المدينة. ولعلّ كامو قصد مدينة باريس نفسها التي تخضع لحجر صحيّ عام.
العمى والتردّي الأخلاقيّ
تحكي رواية “العمى” 1995 للروائيّ البرتغاليّ جوزيه ساراماغو الحائز على نوبل للآداب عن وباء غامض يصيب إحدى المدن، فيُصاب أهلها بالعمى فجأة، ويخلق موجة عارمة من الذعر والفوضى فيتدخلُ الجيش لضبطِ الوضع، ولكن ساراماغو يشيرُ في تضاعيف الرواية لنمطٍ آخر من العمى يتعلق بالفكر وتردّي المستوى الأخلاقيّ وانهيار القيمِ الإنسانيّة، ففي نهاية الرواية تقول زوجة الطبيب: “لا أعتقد أننا عمينا بل أعتقد أننا عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون”، أي توظيف العمى الحسيّ للإشارة للعمى الفكريّ.
الخيال العلميّ
الروائيّة الانكليزيّة ماري شيلي، نشرت روايتها “الرجل الأخير” عام 1826، وهي رواية من نمط الخيال العلميّ، وتروي فيه عن عالم مستقبليّ، حيث تبدأ الأحداث عام 2073 حتى 2100، إذ يجتاح الوباء العالم، وفي نهاية الرواية ثمّة رجل هو الوحيد المتبقي على قيد الحياة إنّه فيرني الذي كافح من أجل سلامة عائلته يسير وإلى جانبه كلبه، تحاول شيلي بأسلوب العرافة أن تتنبأ بما يمكن أن يطرأ على الأرض من تغيرات مناخيّة وانتشار للأوبئة.
تدور أحداث رواية “الموقف” The Stand للكاتب ستيفن كينج، حول فيروس من نوع الإنفلونزا يُسمّى «المشروع الأزرق»، ويتسبب بمحو أكثر من 99% من الكوكب، لا ينجو إلا عدد قليلٌ يعيشون في معسكر، وتبحث الراوية بالصراع الأزليّ بين الخير والشر.
وأخيراً رواية “عيون الظلام” التي صدرت عام 1981، للكاتب الأمريكيّ دين كونتز، المشهور برواياتِ الخيال العلميّ، وتناولتِ ظهور فيروس اسمه “ووهان 400”.