سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أنقرة تعزّزُ وجودَها العسكريّ في إدلب

تقرير/ رامان آزاد –

بعد تصعيدٍ خطرٍ في إدلب واحتمالات الانزلاق إلى مواجهاتٍ كبيرةٍ، تمّ التوصّلُ إلى هدنة وقف إطلاق النار بإدلب خلال زيارة أردوغان إلى موسكو في 5/3/2020، ولكنّ أنقرة تستغلُ فرصة الهدنة لتعزّزَ حضورَها العسكريّ بإدلب كماً ونوعاً، وتركّز على إدخالِ منظوماتِ الدفاعِ الجويّ لفرض حظر طيران على المنطقة لمنعِ تكرارِ حالاتِ قصفِ لقواتها.
 نقاط مراقبة إضافيّة
بعد دخولِ اتفاقِ وقفِ إطلاقِ النارِ حيّزَ التنفيذِ أعادتِ القواتُ التركيّةُ انتشارها وفق البرتوكول الإضافيّ لاتفاقِ موسكو الذي وقعه بوتين وأردوغان في 5/3/2020 فنقلت عتادها العسكريّ من بلدتي بنش وسرمين إلى حدودِ النيرب الواقعة على M4 شرق إدلب.
وفي الخط الخلفيّ المحاذي لطريق حلب -اللاذقية تتمركز عشرات النقاط الصغيرة من قرية أفس إلى بلدات بنش وسرمين والطرق الفرعيّة وبخاصة القريبة من الطريق، حيث تنتشر 16 نقطة تركيّة بين منطقة النيرب وقميناس من مختلف الجهات باعتبار أنَّ الطريق هو صمام أمان حماية الطريق الدوليّ وبنفس الوقت جدار حماية ناريّ أمام النظام بحال تقدّم للسيطرة على مدينة إدلب.
تعتمد تركيا على قواتها لتأمينٍ تدريجيّ للطريقِ، دون الاعتمادِ على المرتزقة الموالين لها في “الجبهة الوطنيّة للتحرير”. وفي 18/3/2020 ثبتت تركيا نقطة بتلة الكفير الاستراتيجيّة قرب بلدة بسنقول لرصدِ الطريق M4 بين أريحا ومحمبل، وهي أعلى المرتفعاتِ بالمنطقة وتشرف على ريف إدلب الغربيّ وسهل الروج، وترصدُ أجزاء كبيرةً من سكةِ القطار، حتى سفوح الجبل الوسطاني، ودعمت النقطة بمدرعات ودبابات وجنود.
وفي 23/3/2020 نشرت ثلاث نقاط مراقبة جديدة غرب مدينة جسر الشغور (الزعينية، بداما، الناجية)، تأكيداً لرغبتها بالتمركز بالنقاط الحاكمة للطرق والمفارق الواصلة بين الطريق M4 الجديد والقديم اللذين يمتدان قريبين، وأقصى فارق بينهما 3 كم. وزوّدت هذه النقاط بآلياتٌ عسكريّة، منها دبابات (ليوبارد-2 الألمانيّة، ألتاي التركيّة)، وعربات مصفّحة وناقلات جندٍ، وعربات هجومية طراز كيربي، والمدفعية ذاتيّة الحركة، طراز TI-155 وكذلك طراز “يافوز”، وأنظمةِ دفاعٍ جويّ وأنظمة تشويش، وحوالي 3500 جندي تركيّ من القوات الخاصة والكوماندوس.
وتسعى أنقرة بشتى الوسائل ورغم عبء فتح الطريق، ومحاولة تأمينه وإعادة الحركة التجارية عليه، وضمان إبعاد الفصائل المتطرفة إلى خارج الممر الأمنيّ والمحدد بـ 6 كم على جانبي الطريق. ولعله من الصعوبة تأمين الطريق بشكل كبير حتى لو نشرت جنودها ومرتزقة الوطنيّة للتحرير على كامل الطريق، إلا أنّ أنقرة تسعى إلى صيغةٍ تؤمنُ سلامةَ جنودها، ومنعِ تكرارِ استهداف العربات التركية وقتل جنودها كما حصل في 19/3/2020.
أنشأت القوات التركيّة عدّة مشافٍ ميدانية، في (مطار تفتناز والزعينية، وأخرى حدوديّة)، وزوّدتها بطواقم ووحدات طبيّة كبيرةٍ وعربات الإسعاف، وحصّنتها بسواتر ترابيّة وكتل إسمنتيّة ضخمة.
 تعزيز الدفاعات الجوية
عززت أنقرة وجودها العسكريّ بإدلب بأسلحةٍ نوعيّةٍ ومنظومات دفاع جويّ، وكانتِ البدايةُ بتعزيزِ قواتها بمنظومةٍ محليّةِ الصنعِ لإطلاق صواريخ (ستينغر)  FIM-92G. وتحملُ المنصةُ ثمانية صواريخ حراريّة موجّهة بالأشعة تحت الحمراء قصيرة المدى (8 -12 كم)، وتمتلك تركيا قرابة 100 منظومة منها، وهي منظومة خفيفة وسهلة التنقل، تستخدمُ لحمايةِ الوحداتِ المتنقلةِ والقوافلِ العسكريّةِ.
 في 27/3/2020 دخلت معبر كفرلوسين الحدوديّ 5 أرتال عسكريّة للقواتِ التركيّةِ، وضمَّ أحدُ الأرتالِ منظوماتِ الدفاعِ الجويّ (MIMi-23 Hawk) أمريكيّة الصنع، وتوجّه الرتلُ إلى النقاطِ التركيّةِ بريف حلب الغربيّ، فيما توجّهت بقية الأرتالِ وتضمُّ مدرعات ومدافع، إلى النقاط التركيّة جنوب وشرق إدلب. وقالت الإعلامُ التركيّ: هذه هي المرة الثانية التي ينشر فيها الجيشُ التركيّ هذا النوع من المعدات بالمنطقةِ خلال شهر آذار، مشيرةً إلى أنّ الجيشَ التركيّ أقام منطقة حظر جويّ بعدةِ أجزاء من إدلب، لمنعِ قواتِ النظامِ السوريّ من شنّ غارات قرب الحدود التركيّة، كتلك التي قُتل فيها الجنود الأتراك.
منظومة (MIMi-23 Hawk) من أقدم منظومات الدفاع الجويّ الأمريكيّ المتوسطة طوّرتها أنقرة على عدة مراحل. وتمتلك هوك مقدرة ردع جويّ عالية، ويصل مداها الفعليّ إلى 40 كم، ويزن الرأس المتفجر للصاروخ المطوّر 74 كغ، ويضم 14000 شظية، سرعة تشظيها تصل إلى2000 م/ثا لتتجاوزَ نسبةُ الدقةِ بإصابة الهدفِ 90%. ويمكن إطلاق صاروخ واحدٍ كلَّ ثلاث ثواني، وتتألف من تسعة صواريخ تحملُ كلّ ثلاثة منها عربة إطلاق. وتشكّلُ المنظومة خطراً حقيقيّاً على المقاتلات الروسيّة في مطار حميميم العسكريّ، إذ يكفي مداها لإغلاق المطار نظريّاً، إلا أنّه يستبعد أن تتطور الأمور على هذا النحو. ويبقى الهدف الأساسيّ من المنظومة هو فرض حظر طيران النظام السوريّ فوق إدلب بحال انهيار الاتفاق.
ونشر أنظمة الدفاع الجوي الأمريكيّة يفيد بأنّ الجيش التركيّ لن يعتمد بعد الآن على مقاتلاته أو طائرات «درون» لإسقاط المقاتلات السوريّة.
رئيس الصناعات الدفاعيّة، إسماعيل ديمير، ألمح مطلع الشهر الماضي في حديث تلفزيوني لقناة TRT Haber”” إلى أنّ تركيا ستدفعُ بمنظومة HISAR-A وHISAR-O التركيتين إلى داخل الحدود السوريّة. مشيراً إلى امتلاك تركيا أسلحة جو-جو أسقطت إحدى الطائرات في سوريا. ويبلغ مدى الصواريخ(HISAR-A)  نحو 15 كم، و (HISAR-O) نحو 25 كم، وقد طُوّرتِ المنظوماتُ للتعامل مع الطيران المروحيّ والحربيّ والطائرات المسيّرة، ولم يتضح فيما إذا كانت تركيا قد أدخلت المنظومتين إلى شمال سوريا.
كما نشرت القوات التركيّة راجمات صواريخ بعيدة المدى في مناطق التماس وجبل الزاوية، من طراز “KASIRGA” وهي راجمة تركيّة الصنع، يبلغ مداها 120كم. وهناك أدلة على نشر القوات المسلحة التركيّة على الحدود مع سوريا أنظمة صواريخ من طراز T-300 عيار 302 ملم. والمدى المعلن لهذا السلاح هو 120 كم. وهو مخصص لتدمير “الأهداف ذات الأولوية”، مثل مواقع القيادة والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي لدى العدو.
كانت أنقرة قد طلبت من واشنطن تغطية حدودها مع سوريا ببطاريتي باتريوت، لتؤكد عمليّاً رغبتها مواصلة الهجوم في إدلب، في مواجهة  قوات النظام السوريّ وحتى القوات الروسية إذا لزم الأمر. إذ خشيت من ردٍّ روسيّ جويّ مفترض، فيما لا يمكنها التفكير باستخدام منظومة إس-400 الروسيّة لمواجهة الطيران الروسيّ، والتي لم يتم تفعيلها حتى الآن. ولكن حلف الناتو وواشنطن لم يستجيبا لأنقرة رغم إعلان مواقف الدعم لها.
ووفقاً للمعطيات الميدان وعمليات نقل المعدات والأسلحة يبدو أنّ أنقرة لم تتخلَّ عن فكرة القيام بهجوم كبير وتحاول رفع الرهان بالمواجهة، التي قد تتحول إلى حرب واسعة النطاق، دون التفكير بالعواقبـ فيما تعطى الأرجحية لفكرة أنّ التصعيد من شأنه تحسين شروط التفاوض في مناطق أخرى على حساب إدلب.