No Result
View All Result
المشاهدات 3
مثنى عبد الكريم
ها هو العام الثاني والذكرى المؤلمة لحدث موجع بكلِّ المقاييس، ها هي الذكرى الثانية على رحيل الطيور عن أعشاشها وعيونها متوجهة نحو الأمل بالعودة تائقة للزيتون وأغصانه، عامان يا عفرين ولازلت تحكين حكاية وطن، عامان يا عفرين والآلاف يغنون لكِ والملايين تشتاق والقلوب تَحِن، عامان غطى فيهما السواد كل شيء واكتست الجبال الخضراء أثواب حزنها تلك الجبال التي كانت ذات يوم مرتع للذكريات. رسمت صخورها أقاصيص الأطفال وروايات المحبة وترانيم العشق، رسمت على صخورها ذكريات الصداقة وأسماء العشاق وتاريخ حضارة وكتبت حكاية وطن.
اليوم سنحكي أيها القُرّاء الكرام عن وطن المحبة والسلام، عن وطن لم يكن يوماً إلا مثالاً للتعايش تسمع بين صخور جباله ضحكات الأطفال تردد الصدى وتغنيه بلابل.
تنظر يمنة فترى نسوة كالبدور ورجالاً وكهولاً شامخين كجبل الأحلام؛ يجتمعون حول أشجار الزيتون في موسم قطافها ليبدأ الرقص الصوفي حولها ولتُشعل على رؤوس الجبال نيران نوروز فترى السماء تعانق الجبال منتشية بأغاني الماضي والحاضر.
قالت لي جدة مرة يا ولدي لا يصح أن تنظر للزيتون بلا وضوء فهي مباركة ولا نقطفها حتى نغسل أيدينا ووجوهنا فهي الشجرة المباركة هي التي كبرت معنا وكبرنا معها وستبقى طول العمر كبيرة كقلب عفرين الأخضر.
كم كنت أتمنى يا ولدي أن أدفن فيها فتراب عفرين دافئ وحضنها كحضن أمي الذي يشعرني بالأمان كلما أحسست بالخوف
يا ولدي كل سوريا حنونة ولكني نبتُ من تراب عفرين، منه خلقت وأريد أن أعود له فيختلط دمي بزيتونها لينبت زيت مقدساً كقدسية المراقد والأضرحة لو نظرت يا ولدي لتلك الجموع وهم يجتمعون حول أشجار الزيتون ليحتضنوها، فتراهم يحنون عليها كحنان أم على طفلها تغني لها عن الحرية والمحبة.
يا ولدي أشجار الزيتون لا تضرب بل يقطف منها الزيتون كما يقطف الجنين من رحم الأم فهي روح وحياة.
كانت عفرين لوحة الجمال الإلهي، حتى جاء اليوم الأسود الذي دخلها الغربان وغادرتها البلابل وصمتت الجبال، لم يعد فيها سوى صوت المدافع وأزيز الرصاص وبعض من أنين مقاتل تضمد جراحه مقاتلة تعاهدوا على أن لا يتركوا تلك الأرض المقدسة.
جاءها من كل حدبٍ وصوب ضباع التتار وأحفاد المغول، فرقوا الأحبة واستضعفوا من بقي فيها محاولين اقتلاع جذورهم ولكنهم نسوا أن جذورهم كأشجار الزيتون ممتدة في أعماق الأرض كشرايين وأوردة تنبض صموداً ومقاومة.
قطعوا أشجار الزيتون واستوطن الأغراب، فرضوا أبشع قصص اللاإنسانية في وطن الإنسان ولكن بين الأشجار وخلف الأحجار ومع حكايات العجائز في ليالي المخيمات ينبت أمل لينير سماء الوحشة.
فالإصرار على العودة لن يموت … والنصر قرار … والمقاومة إرادة، وسترجع عفرين وينبت الزيتون وتعود لراجو وبلبلة وكل قرية وناحية زغاريد الفرح وأغاني تروي وجع النزوح وفرحة العودة.
No Result
View All Result