روناهي/ الحسكة – بعد أن وصلت الأزمة السورية إلى مفترق الطرق وبمرور ثمان سنوات من الصراعات الدولية والإقليمية على الأراضي السورية، والتضحيات التي قدمها الشعب السوري بكل طوائفه ومذاهبه بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي لحق بالاقتصاد والبنية الاجتماعية لهذا البلد نتيجة الحرب التي ساندها الكثير من القوى الدولية، بات الوصول إلى الاستقرار السياسي لهذا البلد من الأولويات.ولكن كلٌ يريد ذلك حسب أجنداته ومصالحه، وبات الحديث عن الدستور السوري الجديد أمر يقلق الشعب، حيث يتداول الحديث عن تشكيل لجان لوضع الدستور الجديد وفق رؤى بعض الدول وليس متطلبات الشعب السوري، فمن المعروف بأن وضع دستور أو قانون لجماعة أو قوم أو دولة يتمُّ بناءً على متطلبات واحتياجات ذلك المجتمع إليه، ولهذا كيف يوضع دستور لدولة تكون فيه شرائح هذا الشعب مغيبةً عنه، وهل سيكون هذا الدستور مفيداً أو صالحاً يضمن حقوق الشعوب السورية في ظل غياب الطرف الرئيس فيه وهو الشعب السوري؟؟، وكيف يمكن أن يتم تطبيقه على الأرض والسوريون يرفضون دستوراً تم وضعه بناءً على مصالح خارجية لا تمتُّ إلى مصلحتهم وأهدافهم. إن روسيا ومن يدور في فلكها يعتقدون أن الشعب السوري الذي انتفض من أجل الحرية والديمقراطية ضد الاستبداد والظلم سيرضخ للدستور الجديد الذي يعده، بعد أن تمكن من الحفاظ على النظام القائم بقوة السلاح، ولكن هيهات فالشعب السوري بكل طوائفه ومكوناته يرفض العودة إلى دستور يضمن حقوق فئة واحدة على بقية المجتمع، وهو الذي ضحَّى بالغالي والنفيس خلال سنوات الثورة.
وقامت صحيفتنا «روناهي» بإجراء استطلاع والنظر إلى آراء الحقوقيين في مدينة الحسكة حول الدستور السوري المزمع، والذي تعده موسكو دون مشاركة الشعب السوري فيه، حيث حدثنا حول هذا الموضوع المحامي مازن منتش قائلاً: «الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتماسك ترابها في هذه المرحلة الهامة ذات الحساسية العالية من التاريخ السوري الحديث، ومن باب الواجب الوطني فإنه يجب إشراك جميع الشعوب السورية الأصيلة في صياغة الدستور السوري الجديد الذي يجب أن يمثلهم جميعاً»، ونوه مازن إلى أنَّ الشعوب في سورية كافة ساهمت في تأسيس وبناء حضارتها، والتنوع العرقي والديني والمذهبي واللغوي هو عامل قوة ومصدر إغناء للدولة السورية، وبالتالي يجب إسهام الشعوب السورية كافة في صياغة الدستور الحاضر والمستقبل والذي يجب أن يكون قائماً على مبدأ المواطنة الكاملة و المتساوية والتعددية السياسية واللامركزية في توزيع السلطات.
مشيراً إلى أنَّ «الدستور العصري يجب أن يضمن الحريات الخاصة والعامة للأفراد وفق الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، والعهود الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأفراد والجماعات و المواثيق الدولية ذات الصلة كافة».
وأكد منتش: «على أنَّ هذا الدستور الجديد يجب أن يضمن مبدأ ترسيخ ثقافة الحوار والتسامح والتآخي بين الشعوب والمكونات السورية كافة؛ وذلك تلبيةً لنداء وطننا ومواطنينا، ووفاءً لدماء شهدائنا الذين ضحوا بأغلى ما عندهم من أجلنا ومن أجل ضمان بناء دولة ديمقراطية المنهج علمانية المبدأ بعيدة عن النهج الديني المتطرف والمنحرف والذي لم يجلب للشعوب السورية سوى القهر والعذاب والمعاناة والآلام، والتي سيعانون منها لعدة أجيال قادمة».
واختتم حديثه قائلاً: «من هنا تكمن أهمية إشراك جميع الشعوب السورية بأعراقها وأديانها ومذاهبها كافة في صياغة دستور عصري يحقق مطالب ورغبات الجميع ويرقى إلى مستوى دماء الشهداء».
كما قابلنا الحقوقي جوان رسول والذي قال: «أجد من الغريب التحدث عن وضع دستور سوري من قبل أناس يدعون بتمثيلهم للأمم المتحدة وأولهم دي مستورا الذي كان من المفروض أن يؤكد بنفسه على مشاركة جميع أطياف المجتمع السوري ومكوناته فيه، حيث يعلم أن وضع أي دستور يجب أن يكون بموافقة المجتمع الذي تم وضعه من أجلهم، وكيف سيتم تطبيق مواده دون موافقة المجتمع السوري بأكمله عليه»، مضيفاً: «لا يمكن تطبيقه على الأرض دون وجود موافقة شعبية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نزاعات كبيرة أخرى في سورية ويشكل أزمة جديدة تطيل أمد الصراع في هذا البلد».
منوهاً: «فعليه فإنَّ أهل مكة أدرى بشعابها فالسوريون هم الوحيدون القادرون على وضع دستورهم الخاص بهم والذي يتناسب مع واقعهم الاجتماعي والسياسي، حيث التنوع الثقافي والمذهبي والعرقي في سورية يحتاج بالضرورة ومن أجل إرساء الديمقراطية إشراكهم في بناء هذا الدستور، وبخاصةٍ الشعب الكردي وأبناء الشمال السوري والذين تم تهميشهم وإنكارهم من قبل جميع الجهات، وهذا أخطر ما في الموضوع لأن القوة البشرية التي في الشمال السوري هي الضمان لنجاح أي دستور سوري، وعلى العالم أجمع أن يعلم أنَّ الدستور الجديد لن يكون ناجحاً بدون مشاركة هذه القوة الفعالة فيها».الحقوقية كورين خالد محمد حدثتنا عن الدستور السوري الجديد قائلةً : «إن الدستور الذي سيتم إعداده وكتابته من قبل لجان دي مستورا والنظام السوري خارج الأرض السورية وستكون بعيدة عن المجتمع السوري بكل تأكيد، وهي ستفرض إرادة الآخرين على المجتمع السوري، ومن جانبي كحقوقية أوكد على أنَّ المرأة في مجتمعنا أصبح لها دور فعال خلال الثورة حيث كان حجم المعاناة لديها أكبر بكثير من الرجل، كما أن مشاركتها الكبيرة في الثورة السورية، ودفاعها المستميت عن الوطن والمجتمع السوري يضعها في المرتبة الأولى من حيث إعداد صياغة الدستور السوري الجديد، والذي عليه أن يضمن حقوق المرأة السورية»، مؤكدةً: «حيث يعلم القاصي والداني ما فعلته المرأة في الشمال السوري فقد كانت الدرع الحصين للمجتمع من خلال المقاومة التاريخية التي أبدتها في وجه الحملة التي قادها داعش عدو الإنسانية والمرأة، وهذا لا يمكن تهميشه أو حجبه عن الدستور السوري؛ وعليه لا بد من وضع دستور يشارك المرأة في كتابته بالدرجة الأولى، لأنها الضمانة الحقيقية لدستور ناجح للمجتمع السوري المتنوع».