No Result
View All Result
المشاهدات 0
زكي شيخو –
هناك عوامل حاسمة لعبت دورها لتقرر مصير مسلمو أوروبا العثمانية والقرم والقفقاس والأناضول منها ضعف الإمبراطوريتين المسلمتين العثمانية والفارسية من الجوانب العسكرية والاقتصادية والفكرية والعلمية والصناعية، وانحطاط جهازهم الإداري الفاسد والمتخلف والأزمة المالية ونمو الوعي القومي بين الشعوب المسيحية العثمانية، والتوسع الاستعماري الروسي وأعداءهم المتربصين المستعدين للانقضاض عليهم في أي لحظة بعد محصارتهم كالروس والقوى الاستعمارية الأوروبية الغربية الأخرى.
أساليب تم اتباعها لتطهير تلك الأراضي من سكانها وضمان عدم رجوعهم مرة أخرى إلى ديارهم وقراهم وأماكن سكناهم، بعد الهجوم وفرار المسلمين كانوا ينهبون ويسلبون ممتلكاتهم المنقولة ومن ثم إحراق ممتلكاتهم الأخرى وتدميرها، في سبيل إقامة الدول القومية المتجانسة الموحدة، كانت إزالة وإبادة كل شعب مختلف يقف في وجه ذلك الهدف الأسمى مهمة سماوية.
قبل الحروب الروسية التركية لعامي 1877 ـ 1878 في مناطق البلقان وما كان يسمى ببلقان العثمانية أو أوروبا العثمانية، رغم الاختلاط الكثيف بين الثقافات والأديان والطوائف، فإن المسلمين كانوا يشكلون أكبر جماعة دينية منفردة في كل أنحاء المنطقة كبقية الجماعات الأخرى. لكنها؛ كانت تشكل الأكثرية المطلقة في ثلاث أقاليم كاملة كأدرنة واشقودرة وكوسوفو، إضافة إلى وجودهم الكبير في ألبانيا ومقدونيا وسالونيك. بحلول عام 1911-1912 وما بعدها كان قد تم استبدال السكان وتطهير أغلب مناطق البلقان من المسلمين، وغادر المسلمين بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود ومناطق أخرى الواقعة على البحر الأدرياتيكي، واتجه الأحياء منهم بعد أن مات أو قُتِل الملايين منهم نحو أراضي الإمبراطورية العثمانية المهزوزة التي أصابها الضعف والتعب والهزائم المتلاحقة، أمام ثورات الشعوب الذين يتلقون المساندة بشكل مباشر من قبل روسيا. الأمور في حرب البلقان الأولى 1912 ـ 1913 قبل الحرب العالمية الأولى حسمت بقوة السلاح، حيث أدت هزيمة العثمانيين أمام تمردات الجبل الأسود والبلغار والصرب واليونانيين؛ رافقتها أساليب وحشية أخرى لإتمام برنامج التغيير الديمغرافي الذي بدأ منذ حرب عامي 1877 ـ 1878 في تلك المناطق والهجرة القسرية للمسلمين، ما أدى الى زوال وجود المسلمين بشكل مخيف، نتيجة الموت بسبب الجوع والأمراض والبرد القارس، أو نتيجة القتل المباشر أو الهجرة القسرية والنزوح، والممارسات الممنهجة الأخرى. كالضغوطات الإدارية وفرض عليهم الديانة المسيحية وإجبارهم على تغيير ثقافاتهم وعاداتهم الحياتية، وبالرغم من فقدانهم لكل ممتلكاتهم كان يتم فرض الضرائب الجائرة عليهم والتمييز العنصري أمام القوانين والمحاكم، كل ذلك لإجبارهم على الركوع والاستسلام والانصهار في بوتقة الثقافة المسيحية أو الهجرة الأبدية من تلك البلاد، بعد انتزاع أراضيهم ومحاصيلهم الزراعية والمواشي ونهبت محلاتهم التجارية وأحرقت بيوتهم وقراهم، فقد المسلمين ثقلهم ونفوذهم في تلك المناطق.
هناك حقيقة أن الجمهورية التركية بعد الحرب العالمية الأولى تشكلت من شعوب متعددة الكثير منها من المهاجرين من بلغاريا واليونان ويوغوسلافيا وأرمينيا وجورجيا وروسيا وأوكرانيا والقرم، لكن أغلب تلك الشعوب تم سحقها بشكل متطرف ومنهجي وتمت إذابتها وصهرها في بوتقة الأمة التركية المستحدثة.
وغايتي من ذكر كل هذه الوقائع التاريخية هو تسليط الضوء على الأساليب التي تم اتباعها من قبل القوى الغازية، لإبادة بعض الشعوب والإثنيات والطوائف في مناطق متفرقة من العالم، حيث تم إمحاء هوياتهم الثقافية وحتى وجودهم الفيزيائي، بعد أن تم احتلال مناطقهم بقوة السلاح والإرهاب والعنف والتطرف. وما يتم ممارسته في هذه الأوقات يتشابه كثيراً ما كان يمارس سابقاً، وما يتم ممارسته من تلك الأساليب المتعددة المختلفة في يومنا هذا في مدينة عفرين المحتلة ومحيطها من قبل دولة الاحتلال التركي والمجاميع الإسلامية المتطرفة التي تخضع لسيطرتها، هي عينها التي ترتكب وتمارس عملياً والانتهاكات جارية على قدمٍ وساق، وان استمر هذا الوضع دون إيجاد حل جذري وعاجل لهذه المأساة، ستقتطع عفرين من حضن سوريا لتكون احتلالاً تركياً جديداً.
No Result
View All Result