روناهي/ منبج ـ تعتبر النهضة الاقتصادية الإنمائية التي تشهدها مدينة منبج وريفها جديرة بالمتابعة والاهتمام، باعتبار قِصر المدة الزمنية التي خرجت بها من الحرب مع داعش أكثر إصراراً وقوة على السير في البناء والتحديث.
وتتسارع عجلة الانفتاح لممارسة من يشاء في هذا القطاع الحيوي، حيث أوصلت مصادر الإنتاج بالسيولة النقدية في القدرة على الإنجاز والتعمير في المجالات كافة. كما كان الانتقال إلى النظام التعاوني مدخلاً لإزاحة الهيمنة الاحتكارية التي فرضتها الرأسمالية؛ عبر العديد من المشاريع التعاونية من خلال الاكتتاب بالأسهم مما يساعد على تحريك هذه السيولة النقدية، وتحريرها من القيود الذهنية.
وكان للمرأة دوراً في عملية التطوير والإنماء عبر إعطاءهن الفرصة لبذل طاقاتهن في تغيير المنهجية التي فرضها الرجل؛ كضرورة للسيطرة على ذهنية المرأة. ومن خلال ما سبق؛ هل باستطاعة الاقتصاد المجتمعي الوقوف على قدميه بكل ثقة على الرغم من الحملات العشوائية التي تحاول النيل من نجاحه في مجتمع؛ مثل منبج.
وبهذا الصدد؛ أجرت صحيفتنا “روناهي” حواراً مع نائب اللجنة الاقتصادية في مدينة منبج وريفها، ومنسق في غرفة الصناعة والتجارة؛ صادق أمين الخلف؛ ليحدثنا في عدة محاور وقضايا اقتصادية في مدينة منبج وريفها، منها منح الهوية التجارية للتجار، وعمل الكوبراتيفات التعاونية، واقتصاد المرأة، والخطة الاقتصادية المرحلية، وأيضاً المستقبلية، والاقتصاد المجتمعي في مواجهة التحديات، وكان الحوار على الشكل التالي:
ـ كيف تنظرون إلى واقع الاقتصاد في مدينة منبج، بعد ثلاث سنوات من التحرير من رجس الإرهاب؛ ولا سيما وأنها تشهد انفتاحاً لا مثيل له على مستوى الحراك الاقتصادي؟
ربما من الواجب أن ننظر إلى هذا الموضوع من تقاطعات عديدة، قد تجتمع كلها ضمن بوتقة واحدة، فمدينة منبج منذ نشأة الإدارة المدنية الديمقراطية، وحتى اللحظة استطاعت أن تخلق فسحة واسعة نشطة من التداول المدني للاقتصاد التشاركي. بمعنى أن المنظور السابق للاقتصاد الاشتراكي، لم يفِ بضرورة متطلبات العملية الإنمائية التي اقتصرت جل عملها على القطاع العام فقط؛ مما سمح بوجود معطيات لتحكم الرأسمالية بالحراك الاقتصادي، وظهرت نتائج ذلك الأمر، في رؤوس الأموال المحدودة في فئة قليلة من الشعب.
بينما إذا نظرنا من زاوية أخرى للاقتصاد المجتمعي الجديد الذي أتيح مع تحرير المدينة من داعش، فإنما يهتم بتوسعة الأبعاد الاقتصادية، بحيث يعود الاقتصاد إلى حضنه الأول، الذي كان عليه في المجتمع الطبيعي، هذا الشعب، هو الدينمو بهذا الحراك الفعال، إذ لا يمكن أيضاً خصخصة الاقتصاد؛ كما يطرح في بعض النظريات لدى البعض، بل لا بد من تفعيلها وفق مقتضى ضرورات الإنماء الاجتماعي، وعبر فتح الفرص لدخول من يشاء من الشعب بذلك الإنماء، وفي أي مجال يرغب، وليس حكراً على أحد، وبأي صيغة يريد، وبأي رأس مال، الأمر الذي يتيح إمكانية توسيع القاعدة الاقتصادية لصالح الأكثرية، بدلاً من وجود بعض رجالات احتكار السوق، كما لا بد من التركيز على خلق بيئة استثمارية جاذبة، وهذا ما تحقق بالفعل عبر إنشاء العديد من المنشآت الصناعية والتجارية في مدينة منبج. وهذا ما لا يخفى أثره أن لا مجال مع هذا المفهوم من تقييد للتجارة، بل لا أبالغ إذا قلت أن هذا المفهوم، يرسخ الحقيقة التي وردت أن لا وجود مع هذه الاقتصاديات من جائع أو فقير أبداً؛ لأنها ستمنح الفرص لقبول الجميع دون استثناء بهذه التشاركية.
ـ منذ فترة وجيزة؛ أصدرت اللجنة الاقتصادية في مدينة منبج؛ هوية تجارية في مدينة منبج، ماذا يعني ذلك للتجار إزاء منحهم تلك الهوية؟
في واقع الأمر، تعتبر الهوية التجارية بمثابة هوية تعريفية، وإنما خاصة بالتاجر الذي يزاول مهنة التجارة، وهذا يعني أن الهوية بمقدورها أن تميز بين التاجر صاحب الرأسمال الكبير، وبين التاجر ذي رأسمال أقل. وستتيح امتلاك التاجر لها بالقدرة على حرية الحركة في المعابر بشكل يؤمن معه؛ إدخال كافة البضائع المختلفة بسهولة، كما أنها ستسمح له السفر إلى مناطق باشور كردستان، كما أنها تعني أيضاً أن التاجر يملك سجلاً تجارياً يستطيع بها زيادة المردود التجاري، وزيادة الأرباح بحسب النشاط التجاري.
ولعل أبرز الشروط اللازمة للحصول عليها، رأسمال تجاري يختلف بحسب النوع التصنيفي للبضاعة التي يكشف عنها عن طريق كشف حسي، فمثلاً قطع الغيار يقدر رأسمالها من 150- 250 ألف دولار، وتقدر قيمة رأسمال الأدوية البيطرية والزراعية والبشرية بـ 200 ألف دولار، ومن الشروط أيضاً؛ امتلاك التاجر ملكية عقارية.
ووفقاً لذلك؛ باشرت غرفة التجارة والصناعة التابعة للجنة الاقتصاد بمدينة منبج وريفها، منذ شهرين العمل على إصدارها للتجار، فبلغ عدد المسجلين للحصول على الهوية التجارية، حتى اللحظة 26 تاجراً، ونأمل بازدياد عددها كي يحظى التاجر بفرصة الحصول على مزاياها العديدة.
ـ توثّق الشهادات ممن يمارس الاقتصاد على الرؤية الحقيقية التي تنهجها لجنة الاقتصاد بحسب نظام النفع العام، والمتمثل بالتحوّل الجوهري إلى نظام الكوبراتيفات؛ برأيكم كيف تنظرون لهذا النظام الجديد من الاقتصاديات الناشئة؟
لا بد من التعريج إلى البيئة الاستثمارية الناجحة في مدينة منبج، وذلك بسبب توافر الأمان والاستقرار الملحوظ الذي يشي المناخ العام للتجارة؛ مما مكن النظر إلى الاقتصاد على أنه الخلية التي انبثق منها، وفرضت نفسها؛ كحالة وجودية من صميم المجتمع، وبناء على ذلك، لا أجد ضيراً من مزج الاقتصاد بالمجتمع، على أن يسمى المفهوم الجديد؛ بالاقتصاد المجتمعي، انطلاقاً من أن الشعب هو الذي يقود هذه النظرية عن طريق المساهمة في المشاريع الربحية الجماعية، ما يعني استفادة أكبر شريحة واسعة تزاول النشاطات التجارية الحرة.
نظام الجمعيات التعاونية، يفسح المجال؛ لإدخال الشعب في عملية التطوير والتحديث التي تشهدها مدينة منبج، بفتح باب الاكتتاب على من يريد المساهمة في زيادة الربح، بغض النظر عن العدد، فذلك منوط برأس المال، فمثلاً كان أول نموذج للجمعية التعاونية، في 15/10/2017 حينما افتتحت الجمعية التعاونية الاستهلاكية بالقرب من دوار اللمبة، وقد حقق هذا المشروع نوعاً من الانفتاح الفكري لقبول الشعب بفكرة ترجمة لنشاط المجتمع وليس العكس، وأن يساهموا بالقليل من مجمل المال، ومن الممكن قد يكون الربح ضئيلاً لكنه يلبي حاجة الأغلبية.
وحققت الصيدلية الزراعية الواقعة بالقرب من الجمعية التعاونية الاستهلاكية أيضاً، أرباحاً تفوق دراسة الجدوى الاقتصادية، التي وضعت لها، فقد تجاوزت الأرباح 107% ما يعني أن الأرقام تثبت بما لا يدعو للشك صدق هذه النظرية الاقتصادية الحديثة، وحاجة الشعب لها. كما ولا تزال الصيدلية الزراعية تقوم بدورها الطبيعي بتقديم الخدمات كافة؛ الزراعية الإرشادية على نحو أفضل، من منطلق صيرورة اجتماعية ناجحة خاصة في ريف منبج، ومن الجمعيات الرائدة أيضاً في هذا المجال مطاحن الدقيق.
ـ كيف تنظرون إلى اقتصاد المرأة الناشئ حديثاً، ولا سيما في ظلّ إقامة العديد من المشاريع الاقتصادية الناجحة للمرأة، مع العلم أن لكم النصيب الأكبر في دعمه مادياً؟
حين الحديث عن الاقتصاد لا يمكن إقصاء المرأة، ذاك العقل المدبر القادر على فتح آفاق كبيرة متجددة من الطاقة، كما كانت على مر العصور السباقة في الثورة الزراعية النيولوتية، وبالتالي فهي الأولى من أوجد الفكر الاقتصادي. إن اللجنة الاقتصادية تمنح الألوية لتنفيذ المشاريع التنموية للمرأة على قدر الدراسة الاقتصادية المدروسة من قبل اقتصاد المرأة عينه. وأعني بذلك أن الحديث في هذا المضمار عائد برمته إدارياً لاقتصاد المرأة، لكن على مستوى تقديم الدعم المادي، فهو واقع الأمر من صميم اختصاصنا، إذ قمنا خلال الفترة المنصرمة؛ بدعم عدة مشاريع اقتصادية خاصة بالمرأة، فكان هناك مطعم وورشة خياطة ومدجنة وغيرها من المشاريع التي تمنح للنساء فرصاً للعمل، مما يوسع إيجاد أرضية وقاعدة شعبية بالدرجة الأولى للمرأة؛ اعتماداً على التشاركية بالإنتاج، باعتبار أن المرأة، تشكل ضرورة، لا بد من فاعليتها في ظل ظروف الحرب الضروس؛ وبسبب صعوبة الحياة، وارتفاع متطلباتها، ووسط فقدان الكثير من النساء للمعيل والمعين؛ كان تقديمنا للدعم من هذا المنطلق. فمثلاً خلال الشهر المنصرم، تم افتتاح معمل للمنظفات من قبل اقتصاد المرأة، وقامت اللجنة الاقتصادية بدعمه مادياً بمبلغ يتجاوز الستة مليون ل.س؛ وذلك أيضاً عن طريق الاكتتاب في الجمعيات التعاونية.
ـ يمكن القول أن الحراك الاقتصادي يقترب في الربع الأخير من العام الجاري من نهايته، كيف تقيّمون هذه الخطة الاقتصادية على مستوى التطوير والإنماء، وماذا عن الخطة الاقتصادية القادمة لعام 2020؟
لا بد أن ألزم نفسي في حديثي بهذا الجانب من تقديم الأرقام المسجلة والموثقة بالسجلات الموجودة في غرفة التجارة والصناعة، ومن عدة أمور مختلفة، للبرهنة على نحو مؤكد من قدرة مدينة منبج على إنشاء بيئة خصبة للاستثمارات الاقتصادية، وجاذبة للتجار أينما كانوا، حتى وخارج مناطق شمال وشرق سوريا، وبمختلف الأشكال الاقتصادية التي تسمح بالزيادة الإنتاجية وتحقيق الأرباح، فمثلاً بلغ عدد السجلات التجارية في غرفة التجارة 1050سجل تجاري، وبلغ عدد السجلات الصناعية 640 سجلاً صناعياً، هذا من شأنه توفير فرصاً للعمل بشكل كبير؛ أمام الباحثين عنه.
الأمر الثاني؛ ما زاد في الصيرورة الاقتصادية النشطة، هو الموقع الجغرافي المتميز للمدينة، كما أنها تعتبر مكاناً خصباً لوجود المواد الخام، خاصة الزراعية منها، إلى جانب توافر الأيدي العاملة، حتى أن بعض السوريين المهاجرين، عادوا ووجدوا ما يجعلهم يفكرون بالبقاء والعمل في مدينة منبج، فقد وصلت أجرة العامل العادي شهرياً على ما يزيد عن 120 ألف ل.س، وهذا ما توثقه سجلات العائدين في المعابر.
وحين نتحدث عن النشاط الاقتصادي لا بد من ذكر العديد من المعامل والمنشآت التجارية والصناعية في مدينة منبج وريفها، فتتوافر معامل للألبان والأجبان، ومعامل الغرابيل الزراعية، ومداجن، ومطاحن، ومعادن، ومعامل تنك، وخزانات، وبطاريات، ومكابس بلوك، ومناشر ومقالع حجر، ومنظفات، ومواد غذائية، ومعامل شيبس، ومعامل كسارات الفستق الحلبي والمعاصر، ومعامل محالج قطن، ومحامص، ومعامل خراطيم زراعية، ومعامل دهانات، ومعامل لبلاستيك، ومعامل الأوكسجين، ومعامل برادات، ومحارم، وورش خياطة، وغيرها من المحال الصناعية والتجارية.
كما لا بد من الإشارة إلى أن اللجنة الاقتصادية في الفترة المستقبلية؛ تسعى إلى زيادة المشاريع التعاونية؛ في إطار الاقتصاد المجتمعي؛ فمثلاً تأمين الخبز من الأولويات التي تسعى اللجنة الاقتصادية لتوفيرها للشعب عن طريق نظام الجمعيات، وذلك عبر زيادة خمس خطوط للإنتاج، حيث ينتج 60 طناً من الخبز بالفرن الآلي، إضافة للأفران التابعة لإدارة الأفران، وبالسعر المدعوم نفسه، كما نسعى لزيادة عدد المطاحن الموجودة بخمسة رؤوس وتوسعتها إلى ستة رؤوس، وذلك أيضاً عن طريق الجمعيات، إلى جانب دعم المطاحن الخاصة أيضاً.
ـالبعض يشكك بعمل اللجنة الاقتصادية على مستوى الأداء، خاصة من قِبل الجهات الخارجية التي تتربص بالإدارة ليلاً ونهاراً، ما ردكم على مثل هذه الجهات؟
حين نعود للوراء، فهذا يعني أنك تبحث عن مقاربة استنتاجية بين مشهدين اقتصاديين، فالمشهد الاقتصادي الأول إبَّان حقبة داعش، واتسم بالسواد بكل شيء، وتوقفت الحياة معها إلى الحضيض.
أما المشهد الآخر، فقد تحررت العقلية التجارية من قبضة الرأسمالية التي أنتهجها البعض في احتكار السوق، مما أشعل حرباً ضروساً مع لقمة عيش المواطن. وكان الأبرز في ذلك فرض مظاهر الأمن والاستقرار على سبل الحياة لكافة شرائح المجتمع التي واكبت الخروج من مرحلة التأهيل بعد الدمار في ظل داعش، والانتقال من بعد إلى مرحلة النمو والتطوير؛ عبر منح التسهيلات للتجار في ممارسة أنشطتهم بكل حرية، واستقطاب المزيد منهم، من خلال خلق بيئة اقتصادية حافزة، ومحاولة استقطاب ذوي الخبرات من أهل منبج من أجل الدفع بعجلة الاقتصاد نحو الأمام. لذا؛ لا أجد حرجاً من دعوة السوريين للعودة لبناء سوريا، ومنبج، ووضع يد الجميع لإعادة إعمارها من جديد.