سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

محاولة تركية جديدة لتبييض صفحة مرتزقتها

تقرير / صلاح ايبو –

مع تزايد وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان وحالات الخطف والقتل من قبل الفصائل المرتزقة الموالية لتركية، تحاول الأخيرة تبييض صورة مرتزقتها عبر إطلاق حملات أمنية تحت مسمى محاربة الفساد، لكن منْ يقوم بهذه الحملات هم أنفسهم تلك الفصائل التي تختطف وتقتل المدنيين في عفرين والشمال السوري المحتل، إذ بلغ عدد المختطفين بهدف الفدية خلال شهر آب فقط في عفرين 70 شخصاً وغالبيتهم اُختطف على يد تلك الفصائل التي تندرج أسمائها ضمن حملة التبييض تلك، وما زال عدد منهم مجهول المصير لعدم قدرة ذويهم على دفع الفدى المالية.
فصائل مرتزقة تتقاسم خيرات عفرين بالنهب والسلب
وبعد 18 شهراً على احتلال الجيش التركي لعفرين، ما تزال انتهاكات حقوق الإنسان في أوجها، بل في تزايد نتيجة محاولة الاحتلال المستمرة لتفريغ المنطقة من سكانها الأصليين عبر التضييق واستهداف مواردهم الاقتصادية وعدم السماح لهم بإبداء آرائهم أو الخروج في احتجاجات ضد انتهاكات الفصائل المسلحة التي جلها من الإسلاميين المتشددين الموالين فكرياً لداعش والنصرة، ويتوزع قرابة 15 فصيل وكتيبة عسكرية في عموم عفرين، ويسيطر كل فصيل على منطقة جغرافية محددة دون تدخل الفصيل الآخر، وتُصدر العديد من الفصائل المسلحة قوانين وإتاوات بحسب هواها على المدنيين الكرد، وسط غياب تام لسلطة القانون ودور المجالس المحلية التي أنشئها الاحتلال التركي، رغم أن هذه المجالس تعمد في بعض الأحيان لإصدار قرارات مواتية تماماً لمطالب الفصائل المسلحة الموالية لتركية يتعرض أفرادها هي الأخرى لمضايقات المرتزقة، وآخرها تنفيذ العديد من تلك المجالس لإحصاءات عقارية وسكانية بغية شرعنة استيلاء المستوطنين على أملاك وعقارات مُهجري عفرين، ويتم حالياً تسجيل تلك العقارات بأسماء المستوطنين ويتخوف الأهالي من أن يكون هذا بداية لتثبيت التغيير الديمغرافي بشكلٍ جذري.
وفي 26 من شهر آب أطلقت ما تسمى الشرطة العسكرية وفصائل الفيلق الأول والجيش الوطني وأحرار الشرقية وجيش الشرقية والسلطان مراد وفصائل أخرى مدعومة من قبل تركيا، “حملة أمنية جديدة” ضمن مناطق سيطرتها في ريف حلب، ودارت اشتباكات في مناطق متفرقة من الباب وإعزاز وجرابلس وعفرين بين الفصائل الموالية لتركيا إثر هذه الحملة، لكن المفارقة هنا ومع إطلاق الحملة هذه عمد عناصر من لواء السلطان مراد على اختطاف 4 أشخاص من قرية قسطل خضرية في ناحية بلبلة والمطالبة بفدى مالية لإطلاق صراحهم، إضافة لإصدار قرارات فردية بعيدة عن القوانين والأعراف من قبل بعض قادة الفصائل المرتزقة لتركيا على المدنيين.
تركيا تغض الطرف عن انتهاكات مرتزقتها لتمرير سياسات الإبادة بحق الكرد
وتأكيداً على المعلومات التي حصلت عليها صحيفتنا قبل مدة من قيام المجالس الموالية لتركية بعملية إحصاء للعقارات والحيازات الزراعية بغية تثبيت ملكيتها للمستوطنين، إذ رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وفقاً لمعلومات وصفتها بالموثوقة في الثامن من تموز الماضي، إحصاء الفصائل المدعومة من تركيا أملاك المواطنين الكرد في “عفرين”، بهدف فرض ضرائب على الأملاك وفقا لتلك الإحصائيات، وقال المرصد: “إن الفصائل المسلحة تنوي فرض ضريبة 50 ليرة تركية على كل دونم من الأراضي الزراعية”. وبحسب المصادر المطلعة، فإن مقاتلي فصيل “سلطان سليمان شاه” عمدوا إلى جمع المواطنين في قرية خليل التابعة لناحية “شيه” لمطالبتهم بدفع مبالغ مالية متفاوتة بذريعة أن لديهم أقارب ينتمون إلى الوحدات الكردية. وأبلغ شهود عيان المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قياديا من الفصيل، أشهر سلاحه في وجه عدد من المواطنين وهددتهم بالقتل إذا ما تواصلوا مع أقربائهم خارج المنطقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب معلومات أخرى رصدها المرصد فإن قائد فصيل العمشات أصدر تعميماً يمنع المواطنين من زيارة جيرانهم وأقاربهم ضمن المناطق التي تخضع لسيطرة فصيله في “عفرين” وريفها. وأشارت مصادر إلى أن تعميم “أبو عشمة” يندرج في إطار السياسات الممنهجة لدفع المواطنين المتبقين للخروج من “عفرين”، فيما عمد الفصيل إلى قطع الكهرباء عن منازل المدنيين الكرد في قرى خليل وألكانا وحج بلال وحبو، وغيرها من قرى “الشيخ حديد/شيه” دون أي سبب، في الوقت الذي ظلت فيه المنازل التي استولى عليها المستوطنين الجدد مدعومة بالكهرباء”.
ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن شهود عيان قيام قائد العمشات بفرض ضريبة 50 ألف ليرة سورية على كهل كردي، فقط لاتهامه عناصر الفصيل بإحراق أشجار السرو والزيتون في المنطقة، فيما فرض الفصيل ضريبة قدرها 700 دولار أمريكي على شخص آخر، بعد اتهامه بحصوله على أموال تُحول له من مدينة “قامشلو” وأنه يتولى مسؤولية توزيعها على أكراد المنطقة، في إشارة إلى قيام المرتزقة بمراقبة كافة مناحي الحياة اليومية للسكان الكرد بهدف ترهيبهم والتنكيل بهم ودفعهم للهجرة.
التغيير الديمغرافي مستمر
وشهدت عفرين وقراها تغيراً ديمغرافياً ممنهجاً من قبل الاحتلال التركي تمثل بتوطين المُهجرين السورين من الغوطة وأرياف دمشق وحمص وحماة وحلب في عفرين، إضافة لعوائل مرتزقتها والذي بلغ عددهم أكثر من 150 ألف نسمة، إضافة لموجات أخرى من عوائل المرتزقة الفارين من إدلب بعد تقدم قوات النظام هناك وفق صفقة تركية روسية جديدة، ووصل خلال الأسابيع القليلة الماضية قرابة 160 ألف نسمة على عفرين وريفها وتم إسكانهم في منازل الكرد وقسماً منهم توجه لبعض المخيمات التي أنشئها الاحتلال في جنديريسه وعفرين.
أكثر من ثلاثة آلاف مختطف في عفرين
ووفقاً لوثائق المرصد السوري لحقوق الإنسان، بلغ عدد المختطفين والمعتقلين لدى الفصائل المرتزقة المدعومة من تركيا 2090 شخصاً، من بين 3000 آلاف معتقل كان جرى اعتقالهم أو اختطافهم منذ الاحتلال التركي على المنطقة بشكل كامل، لكن منظمات حقوقية أخرى تُشير إلى أعداد أكبر من المختطفين وغالبية المختطفين تم اختطافهم أكثر من مرة بهدف الحصول على المال، وتم توثيق العديد من الحالات عبر الرسائل والمقاطع المصورة والمقاطع الصوتية التي كان المرتزقة يرسلونها لذوي المختطفين، ووصلت تلك الإتاوات في بعض الأحيان إلى 200 ألف دولار أمريكي.
وفي سياق متصل علم المرصد السوري أن فصيل العمشات “سليمان شاه” أصدر قراراً يقضي بفرض ضرائب على أصحاب الجرارات والآليات الزراعية، تتراوح ما بين 50 إلى 150 ألف ليرة سورية في قرى وبلدات ناحية “الشيخ حديد/شيه”، فيما كانت الإتاوات الضخمة من نصيب المُختطفين لدى فصائل “غصن الزيتون”، حيث طالبت الفصائل ذوي المختطفين والمعتقلين لديها بذرائع واهية، مبالغ مادية ضخمة بالدولار.
جدار التقسيم مازال مستمراً
ومن جهة أخرى مازال الاحتلال التركي يعمل على تشييد جدار التقسيم في قرية جلبر في خطوة يحاول عبرها إيصال الجدار إلى قرية باصلة ومنها إلى مريمين، ويعمل الاحتلال مساءً على بناء الجدار خوفاً من كميرات الإعلام التي ترصد انتهاكاتها ومحاولته تقسيم سوريا، إضافة لاستمرار مرتزقة الاحتلال على استهداف قرى شيراوا وشرا، إذ سقطت خلال الأسبوع المنصرم أكثر من 22 قذيفة هاون ومدفعية على تلك القرى مصدرها المدفعية التركية والمرتزقة، بهدف إفراغ تلك القرى من المدنيين.
يستمر التعنت التركي واحتلاله للعديد من المناطق والبلدات السورية، وتستمر مع ذلك حمايته للفصائل والجماعات المرتزقة التي جمعها في إدلب لاستخدامها كأوراق ضغط ومساومة في وجه سوريا وروسيا وإيران، وابتزاز أمريكا والتهديد المستمر باجتياح شمال شرق سوريا، ليقوض بذلك كافة فرص السلام التي تلوح في الأفق ويطيل من عمر الأزمة ويزيد في تفاقمها، كما يتبجح بحماية اللاجئين السوريين ولكنه يعمل من جهة أخرى على ترهيبهم وترحيلهم بطرق وأساليب تخالف مبادئ وقوانين الأمم المتحدة الإنسانية دون حرمة لأية مواثيق دولية.
الواضح والجلي إن انتهاكات تركيا لجميع المواثيق الدولية والإنسانية باتت واضحة للقاصي والداني، وربما إن أردوغان ومن خلفة حزب العدالة والتنمية يضع تركيا على شفا الهاوية التي ستسقط تركيا برمتها أو تسقطه فيها، كما سقط الكثير من الطغاة من قبله.