المنطقة الآمنة لِمن؟!

فادي عاكوم ـ صدى سيا –

بات من الواضح أن ما تسمى بالمنطقة الأمنية (الآمنة) التي طالب بها الأتراك ستصبح واقعاً حتى وإن كان جزئياً، وليس كما تمناها أردوغان. بعد البدء بالخطوات العملية بين الأتراك ونظرائهم القادمين من واشنطن، ورغم كل التحليلات والتنظيرات إلا أن الصورة النهائية لم تتضح بعد رغم البروبوغندا الاعلامية التركية التي تحاول وصفها بأنها انتصار على أساس أنها ستصل إلى عمق 30 كم داخل الأراضي السورية، وبطول لم يتم تحديده أيضاً، إلا إنه سيمتد على طول المنطقة الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية هذا حسب الرؤية التركية.

هذه المنطقة ورغم كل السواد الذي يحيط بها، إلا أنها ستكون تحت مظلة دولية دون أي شك، مما يجعل من مناطق روج آفا مناطق آمنة بعيدة عن السلاح التركي ومرتزقته القابعين في أكثر من منطقة، يتحينون الفرصة للانقضاض على المناطق الآمنة ليعيثوا فيها سرقة ونهباً وإجراماً، وتحمي نفسها من أي توغل أو مغامرة تركية، كما سبق وحصل بعفرين الجريحة. وهنا الكلام لا يعني أبداً أن روج آفا لا تستطيع الدفاع عن حدودها تجاه أي حماقة أو مغامرة تركية، بل على العكس تماماً، فالمنطقة بأكملها تهيأت وهي جاهزة بالفعل لكل طارئ، وإن حصل أي توغل تركي ستكون المنطقة كلها على قلب رجلٍ واحد، وسيلقنون الأتراك درساً كما سبق وفعلوا مع مرتزقتهم الدواعش. لكن؛ أي حرب في المنطقة سترهق الجميع دون استثناء، عسكراً ومدنيين، والمنطقة وأهلها بحاجة فعلاً إلى مرحلة لالتقاط الأنفاس بعيداً عن ويلات الحرب ودمارها، وبالتالي فإن المنطقة الآمنة ستؤمن الأمن والأمان ولو بالحد الأدنى المطلوب.

لكن؛ هل سيلتزم الأتراك ببروتوكولات هذه المنطقة والحال كما يبدو لا يتناسب مع مخططاتهم؟!، خصوصاً وأن الأوضاع في سوريا سائرة نحو إنهاء المحاصصات الدولية وباتت منطقة روج آفا وشمال سوريا خارج الحسابات مع المظلة الأمريكية والدولية؟ والأمر الآخر الذي يجب التوقف عنده، هو أن هذه المنطقة الآمنة ستمنع الأتراك من التدخل أو حتى التفكير بالتدخل في حال تطور الأمور في إدلب، أو عودة الدواعش إلى الظهور كما هو متوقع عند أي هجوم تركي، بعد التحذيرات الدولية من قدرة داعش على القيام بهذه الخطوة في سوريا والعراق، لعدة أسباب منها القدرة المالية ووجود العشرات من الخلايا النائمة، بالإضافة وللأسف إلى وجود حاضنة في بعض المناطق، لا تزال ترى في داعش حبل الخلاص لها رغم كل ما قام به من جرائم تجاه شعوب المنطقة.

فالتعهدات التركية يجب ألا تقتصر على المنطقة الآمنة وأمنها وأمن المناطق المحيطة بها، بل ربما كان يكفي أن يتعهد أردوغان بعدم فتح البوابات التركية من جديد لعناصر داعش كما فعل في كل مرة، وأن يوقف دعمه اللامتناهي لجبهة النصرة الارهابية والجولاني والقاعدة المنتشرين في إدلب وما حولها، عندها فقط ستكون منطقة الشمال السوري منطقة آمنة. مع الإشارة أخيراً أنه وعلى الرغم من الحرب الشعواء من قبل الأتراك على القوات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية عسكرياً وإعلامياً وسياسياً، إلا أنهم (أي الأتراك) رضخوا للأمر الواقع وبات اعترافهم بهذه القوات سياسياً أمراً واقعاً، كون المنطقة الآمنة ثلاثية مع الجانب الأمريكي لأن أي اتفاق بين أي طرف وآخر لا بد أن يمر على وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، ومن دون موافقتها لا يمكن أن يمرر أي اتفاق، مما يعزز القدرات السياسية المطلوبة تحضيراً للمرحلة المقبلة، وهي مرحلة الحل السياسي ومرحلة السلام ولا بد للحوار أن يكون البديل عن الحرب.