سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تركيا…. حيث يُعتقلُ القانونُ قبل المواطنُ

تحقيق / رامان آزاد –

يُجمِعُ الحقوقيون والمراقبون أنّ تركيا تعيش تقييداً للنظام القضائيّ ووصاية عليه، ما ينسفُ توصيفَ الديمقراطيّةِ الذي يتحدثُ عنه ساسة أنقرة، في ظل تطبيقٍ اعتباطيّ لقانونِ الطوارئ، ونظامٍ سياسيّ أوتوقراطيّ يُحكِمُ قبضته على كلِّ مؤسساتِ الدولةِ السياديّة، ويخنقُ الحريات العامة ويمنعُ حريةَ التعبيرِ.
“ما دام القضاء والعدالة بخير فكلُّ البلد بخير”، عبارةٌ قالها كلّ من شارل ديجول رمز فرنسا الحرة باريس بعد تحريرها من الاحتلال الألمانيّ وونستون تشرتشل رئيس الوزراء البريطانيّ وقت الحرب العالمية الثانية. ووفقاً للمعيار القضائيّ تركيا ليست بخير.
مع وصولِ حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002 لم تعد مهمةُ النظامِ القضائيّ في تركيا العملُ على فصلِ الخصوماتِ وتحقيقِ العدالةِ في المجتمع، بل انقلب إلى مقصلة تنحرُ الحقوقَ وأداة السلطة يستغل حصانتها لتنفيذ سياساتها ويتجاوز صلاحياتها باسمها، وظاهرة الاعتقال مستشرية لدرجة كبيرة، وبخاصة بعد محاولة الانقلاب، والتهمُ قوالب جاهزة من قبيل (الانتماء أو العلاقة بحركة الخدمة أو حزب العمال الكردستانيّ، الانقلاب على السلطة، الإرهاب، التجسس، المؤامرة)، ففي عام 2017 اُعتقل أكثر من 50 ألف على ذمة التهم ذاتها بينهم (قضاة، برلمانيون، مدرسون، أطباء، عمال، مثقفون..)، وفُصِل نحو 150 ألف موظف حكوميّ تعسفيّاً.
القضاءُ تحت الوصاية الحكوميّة
من أهمِّ شروط سلامةِ القضاء استقلاليّته القضاء، إلا أنّ القانون واقعاً؛ غير معمول به في تركيا، والقضاءُ المحليّ عاجزٌ، تقيّده الحكومةُ بأجندتها السياسيّة، فقد طرأت في السنوات الأخيرة جملةُ تغيّراتٍ على المحددات الرئيسيّة للمحاكمة العادلة (الدفاع، النيابة العامة، المحكمة). وتحوّلتِ السلطةُ القضائيّةُ لمؤسسةٍ تابعةٍ للسلطةِ التنفيذيّة لتسقط المنظومة القضائيّة بكاملها، فالأحكامُ تأخذ صيغاً قطعيّةً بمجردِ صدورها ويُحرمُ المتهمون من حقِّ الدفاع عن أنفسهم.
تحرصُ الحكومةُ على تعيينِ قضاةٍ مؤيدين للحزبِ الحاكم في أجهزةِ القضاءِ المختلفة، ولا يُسمح لهم بتجاوزِ الخطوطِ التي رسمها النظامُ، فلا يلتفتون إلى مصداقيّةِ التهمِ الموجّهةِ للمتهمين. بقدرِ تأكيدِ ولائهم وتثبيتِ وظائفهم. وبذلك تتجاوزُ السلطة التنفيذيّة صلاحياتها وتمارسَ الوصايةَ على السلطة القضائيّة، وتسيءُ استخدامَها لتحوّلَها إلى أداةٍ لمعاقبةِ الخصوم وإزاحة المعارضين بزجّهم في المعتقلات بتهمٍ ملفقةٍ، ووفقَ محاكماتٍ صوريّةٍ تتجاوزُ المقتضى القانونيّ. وتتحكم السلطةُ بإجراءاتِ الطعنِ المقدّمةِ للسلطةِ القضائيّةِ العليا، وتُعرقلُ عمليةُ الدفاعِ فلا يتمكنُ المحامون من التواصلِ مع موكليهم. وبموجب مرسوم الطوارئ رقم 685 اُستحدثت لجنة المظالم لمراجعة حوالي 100 ألف حالة فصل تعسفيّ وانتهاك قانونيّ ولكنها لا تستطيعُ ممارسةَ صلاحياتها.
تعتبر المحكمة الدستوريّة العليا أعلى هيئةٍ قضائيّةٍ بالبلاد يمكنُ للمواطنِ التظلم أمامها ومهمتها إجراءُ مراجعة دستوريّة للأحكام الصادرة بحقّ الأفراد، وهي آخر بوابةٍ قبل التوجّهِ إلى المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان، لكنَّ أردوغان نجح بتقويضها وتعطيلِ عملها عبر حملاتِ التهديد والتشويه المنظمة ضد قضاتها.
وعندما قضتِ المحكمةُ الدستوريّة في 28 /2/2016 بالإفراج عن الصحفيَينِ “جان دوندار” و”أردم جول” صرّح أردوغان: “إنّ هذه الحالة ليس لها أيّ علاقة بحقِّ حريّة التعبير، هذه قضيةُ خيانةٍ عظمى، ولا يتوجبُ عليَّ أن أقبلَ قرارَ المحكمةِ الدستوريّة، ولا أطيعُ قراراتِها ولا أحترمُ تلك القراراتِ، ولمحاكم الدرجة الأولى الحريّة في عدم الامتثال لقرار المحكمة الدستوريّة”.
وبعد الانقلاب اُعتقل القاضيان بالمحكمة الدستوريّة العليا “ألب أرصلان ألتان” و”أردال ترجان”، ليتمَّ القضاء نهائيّاً على ما تبقى من استقلاليّة للمحكمة الدستوريّة، وانتُهك القانون الذي يقرّ باختصاص المحكمة الدستوريّة وحدها بحق اتهام ومحاكمة أحد أعضائها.
بذلك ترسخت قناعةٌ بأنّ القضاء التركي بكلّ مستوياته حتى المحكمة الدستوريّة العليا قد أُحيل إلى شكلٍ من البطالة، وأُبعد عن ممارسة مهامه القانونيّة وأضحى شريكَ النظامِ السياسيّ بل أداته التنفيذيّة في اغتيال قيمِ العدالةِ وتضييع الحقوق، باتباع عدة إجراءات إداريّة روتينيّة منها: إطالة مدة التقاضي، وتعليق القضايا إلى أجَلٍ غير مُسمّى، بربطها بسلسلةِ إجراءاتٍ إداريّة طويلة الأمد.
لا دفاعَ عن المتهمين
الدفاعُ طرفٌ مهمٌّ مساوٍ للنيابة العامة في جلساتِ المحاكمةِ العادلة، ولكن في السنواتِ الأخيرة بتركيا وبذريعة مكافحةِ الإرهابِ فقد محامو الدفاع قدرتهم على أداءِ مهمتهم في الدفاعِ عن موكّليهم، لا بل أصبح الترافع عن متهم جريمة. فعقب انقلاب 15/7/2016 احتجزت الحكومة التركيّة أكثر من ألف محام، واُعتقل 114 آخرون، ووُجّهت إليهم عدةُ اتهاماتٍ كالعلاقة بحركات اجتماعية معينة، أو التواطؤ في الجرائم الموجّهة ضد موكليهم المتهمين، والأغرب الاتهام بأنّهم دافعوا بحرارة عن موكليهم. وأُجبر المحامون المعتقلون نتيجة الضغوطاتِ والتهديداتِ أثناءِ التحقيقاتِ على الإقرارِ بالتهمِ الموجّهةِ ضدَّ موكّليهم، لتسقطَ العلاقةُ المتعارفُ عليها بين المحامي وموكّله والتي يكفلها القانون، ما أدّى لهجرةِ كثير من المحامين خشية التعرّض لنفسِ المصير.
وللسلطةِ كاملُ الحقُّ بمنع المشتبه به من رؤية محاميه ومنعه من اختيار محامٍ لا ترغب فيه، وبهذا سقطت حرية المتهمين باختيار من يمثلهم بالدفاع. وأُوقف اشتراطُ ذكر الادعاء الموجَّه للمدعى عليه في أثناء جلسات المحاكمة، وتمّ منع المتهم من حقه في معرفة الاتهامات الموجّهة إليه حتى في قاعة المحكمة. فعلى سبيل المثال، فخلال محاكمة 270 محتجزاً في31/1/2017 أمام محكمة أزمير، طلب المحتجزون من القاضي الذي يمثلون أمامه، معرفة الاتهامات الموجّهة إليهم، لأنّه لم يتم إخبارهم بطبيعتها، فتلا عليهم القاضي 14 صفحة هي ملخص الاتهامات، أما عريضةُ الدعوى فجاءت في 1300 صفحة.
الآلاف من المعتقلين الاحتياطيين لا يعرفون ماهية التهم الموجهة ضدهم. فالحبسُ الاحتياطيّ عقابٌ قانونيّ لغير المدانين، إذ لا يجوزُ إيداعُ المشتبه به بالحبسِ الاحتياطي لفترة طويلة بعد تجهيزِ ملف الاتهام، ولذلك تتعمدُ السلطاتُ تأخيرَ إعداد ملفات الاتهام، لإطالة مدة الحبس الاحتياطيّ.
في هذا الصدد ارسلت العديد من الخطابات والتقارير من شخصيات ومؤسسات اعتبارية تركية وعالمية إلى الرئاسة التركية ووزارة العدل التركية للحد من الانتهاكات الفادحة لحقوق المحامين والمعتقلين دون جدوى.
 وفي تقرير بعنوانٍ “ضمان (تأمين) اتصال المحتجزين بالمحامين “أعربتِ اللجنةُ البرلمانيّةُ لمجلسِ أوروبا (PACE) عن قلقها إزاء الوضع الحالي بتركيا، عقب محاولة الانقلاب. وجاء في التقرير على لسان الصحافيّة الفرنسيّة مارياتا كارامانلي: “بغضِّ النظرِ عن الضغوط التي يتعرضُ لها المحتجزون وسوء معاملتهم، فإنَّ أكثرَ ما يُقلق هو عدم قدرتهم على إيجادِ محامي دفاعٍ يمثّلهم أمام المحكمة”.
الأسوأ مطالبةُ المحامين بأتعاب باهظة تقدّر بعشرة أضعاف الأتعاب العادية من أولئك المحتجزين الذين قبض عليهم بلا جريمة وبسبب سياسيّ صرفٍ، وتزدادُ مأساويّةُ الوضعِ بمصادرةِ الحكومةِ لأموالِ وممتلكاتِ معظم المحتجزين، قبل صدورِ حكمٍ قضائيّ يؤكّدُ الاتهاماتِ، فلا يدفعُ الموكلُ أتعابَ المحامي بسببِ العجزِ، ويُزجُّ بالمحامي إلى السجن لساعاتٍ منتظراً السماحَ له بمقابلة موكله.
لا تملك هيئة الدفاع الحقَّ بمراجعةِ أوراقِ القضية، ولا نسخها، وأضحى منعُ السجينِ احتياطيّاً من رؤية محاميه لخمسة أيام متوالية أمراً قانونيّاً. ويُطبقُ الأمرُ نفسه مع المعتقلِ على سبيل الشبهة ولم تُستكمل الشرائطُ القانونيّة لإدانته أصولاً. كما لا يُستغربُ عملُ المحامي ضد مصلحة موكله وتقديمُ طلبِ الطعن بعد انقضاءِ المهلة القانونيّة.
تقليص صلاحيات وحقوق المحامين بالدفاع عن موكليهم، ومنعهم من القيام بعملهم بفعَّاليّة. ومن جملة التغييرات مرسوم الطوارئ رقم 676، إذ انتفت خصوصيّة اللقاءِ بين المحامي وموكله، فالسلطة تسجّلُ اللقاء بحضورِ ضابطٍ مسؤول، ولها أن تصادر أو تزيل ما تريد من مستندات، وكذلك يُمنع السجين احتياطاً على ذمة التحقيقات من مقابلة من محامي الدفاع، وأي محامٍ خضع من قبل للتحقيق أو المحاكمة، ليس له الحق في الدفاع عن موكله.
الاعتداء على المحامين
يؤيدُ المحامون المؤدلجون سياساتِ الحكومةِ ضد معارضيها، ويتبنون إجراءات تخالفُ مقتضياتِ ميثاقِ الشرفِ القانونيّ، ويُحرم المتهمون من حق الدفاع عن أنفسهم حيال الاتهامات الخطيرة.
قانونيّاً في حالِ عجز المتهم عن توكيل محامٍ ليترافع عنه، فإنّ نقابة المحامين ملزمة بتكليف محامٍ ضماناً لحقه بالدفاع عن نفسه، إلا أنّ جمعية الوحدة القضائيّة ترفض ذلك، والمتداول عندها أنَّ المتهمين لا يحق لهم الدفاع عن أنفسهم، ويجب ألا يُعامَلوا طبقاً لما ورد في قانون الإجراءات الجنائيّة.
أوردت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هيومان رايتس ووتش (HRW) في تقريرها حديثاً عن حالات التعذيب في السجون التركيّة عنونته بـ”شيك على بياض: ضمانات تركيا بعدم استخدام التعذيب بعد الانقلاب”. وقد احتوى التقرير حوادث عجز فيها محامو الدفاع عن وقف تعذيب موكليهم لدى الشرطة خلال مراحل التحقيقِ. كما يتعرضُ المحامون أنفسهم لضروبٍ مختلفة من الإساءة كالشتم والسبّ وعرقلة عملهم وحتى الاعتداء عليهم بالضرب.
بات إجراء تحقيق مع أي محامٍ أمراً سهلاً، بل رُفعت الحصانةُ القانونيّة عنه، ويمكن بسهولة مداهمة مكاتب المحاماة والقبض على المحامي، كما يُمنعَ من تقديم المشورة القانونيّة عبر إجراء تحقيق تعسفيّ معهم.
ووفق مرسوم الطوارئ أُغلقت مؤسساتٌ حقوقيّة عريقة دون حكم قضائيّ، وتمت مداهمة هذه المؤسسات وكسرُ أبوابها، وفي بعض الحالات ضُرب المحامون العاملون في هذه المؤسساتِ.
وفي 23/3/2019 صدر الحُكم بالسجن لأكثر من 159 عاماً على 18 محامياً من أصل 20 عضوًا في رابطات المحامين اليساريين الموقوفة، ورابطة المحامين التقدميين (CHD)، ومكتب القانون الشعبي (HHB).
الضغوط على الهيئة القضائيّة
تتعددُ أشكالُ الضغوطِ على الجهاز القضائيّ عبر وسائل وآليات متعددة وممنهجة، بعد الكشف عن فضائح الفساد الماليّ الذي طال عدداً من الوزراء وأبنائهم عام 2013، وبلغ الذروة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 فكان الذريعة التي مكّنت النظام التركيّ من تنفيذ أجندته، عبر عدد من الإجراءات:
ـ الفصل التعسفيّ الجماعيّ كان أولى الإجراءات وقد أنتج بيئةً من الضغطِ أدَّت إلى تطوراتٍ خطيرة تَحُدُّ من حصولِ الأفراد على محاكمات عادلة في تركيا، وإلى حرمان الأفراد من حقوقهم أمام القضاء المحليّ. واستمراراً للاضطهاد الجماعيّ، فصلتِ الحكومة أزواج أو زوجات العاملين والعاملات في القطاع الحكوميّ، واستولت على مدخراتهم وممتلكاتهم، ورُفعت الحصانة القانونيّة عنهم. واُعتبر خائناً أيّ وكيل نيابة يرفضُ معاملة المحتجزين بشكلٍ سيئ، أو أي قاضٍ يرفضُ إصدارَ أمر اعتقالِ من تطالب الحكومة باعتقاله، وعُومِل كخائنٍ.
في اليوم التالي لمحاولة الانقلاب، أصدر المجلس الأعلى للقضاء (HSYK) قائمة تضم 2745 قاضياً ووكيل نيابة العامة تم إيقافهم عن عملهم والتحقيق معهم بتهمة العلاقة بمنظمة غولن/ الدولة الموازية”، واستمرّ الفصلُ التعسفيّ، فشُطبت العضويّة النقابيّة من 4463 قاضٍ ووكيل نيابة، أي 30% من إجمالي العاملين بالسلطة القضائيّة، البالغ عددهم 14.661. ويمثل المعتقلون 17.6% من إجمالي القضاة ووكلاء النيابة العاملين بتركيا. وجُمّدت حساباتُهم المصرفيّة قبل توجيه أيّ اتهامات إليهم، ونُشرت أسماؤهم في وسائل الإعلام، فأصبحوا مدانين قبل أن يَعرفوا ماهية التهم الموجّهةِ إليهم.
وفي 12/12/2016 أعلن وزير العدل التركيّ “بكير بوزداغ” أنّ الذين رُفعت ضدهم دعاوى قضائيّة من القضاة ووكلاء النيابة، وصل عددهم إلى 3820 وأنّ 2430 منهم لا زالوا في السجون، وأنّه فُتح باب التعيين لـ 3940 قاضٍ ووكيل نيابة، وأعدّتِ الحكومةُ معايير اختيارهم بنفسها، ومعظم من تمّ اختيارهم ينتمون للحزب الحاكم، ما ينسف استقلاليّة القضاء، ويجعل المحاكمات مسيسة.
اعتقال القضاة!
رغم تمتع القضاة ووكلاء النيابة بحصانة قضائيّة لحساسية عملهم، فإنّ ذلك لا يمنع اعتقالهم تعسفيّاً لمجرد الشبهة، وإذ يُفترض وجود ضمانات قانونيّة تحمي القضاة من الفصل التعسفيّ، وينصُّ القانون التركيّ رقم 2802 على أنّه “لا يجوزُ القبض على القضاة ووكلاء النيابة إلا في حالة تلبسهم بجناية ذات عقوبة مشدّدة”، ولكن لم يثبت مشاركة القضاة المعتقلين بالانقلابِ بأي شكل من الأشكال، ولا انضمامهم لتنظيمٍ إرهابيّ، وكانت الأدلة التي ظهرت بعد خمسة أشهر من السجن ملفّقةً اُنتزعت منهم تحت التعذيب.
طبقاً للائحة رقم 95 من القانون رقم 2802 أنّ من حقِّ العامل في الهيئات القضائيّة، في حال القبض عليه، أن يعرفَ الاتهامات الموجّهة ضده خلال خمسة أيام، وأن يُحاكم خلال 3 أشهر من تاريخ القبض عليه. إلا أنّ المعتلقون من القضاة ووكلاء النيابة، لم ينتهِ إعداد مذكرة الادّعاء الموجّهة ضدهم بعد أكثر من سنتين. وبذلك سُحِقت المبادئُ القانونيّة الأساسيّة ولم يعد لها وجود. والإجراءات القانونيّة والإداريّة لم تعد تُراعى، ولا يُلتزم بحقِّ الدفاع أمام المحكمة، ويُجبرُ القضاة بإصدار أوامر اعتقالٍ بحقِّ زملائهم القضاة، وعدم إطلاق سراحهم.
ذكرتِ المجموعاتُ الحقوقيّةُ والمنظماتُ الحكوميّة وغير الحكوميّة الدولية في تقاريرها، أنَّ القاضي الذي يعارض القرار الموجّه إليه من أردوغان يُستهدفُ ويُعرّض للاعتقال والسجن، فيما تتم مكافأة وترقية من ينفّذ الأوامر الحكوميّة وإن خالفتِ الإجراءاتِ القانونيّة المتبعة.
بعد عودته من زيارةٍ لأوكرانيا في 20/3/2015 قال أردوغان في تصريحٍ: “إنّنا نراقب بدقّةٍ كلّ القضاة الذين ينظرون في القضايا المتعلقة بمنظمة الكيان الموازي”.
أما القضاة الذين ترأسوا دعاوى ضد أردوغان في المحكمة الجنائية العليا، فقد خُفّضت درجاتهم الوظيفيّة، فضلاً عن ورود أسمائهم في قائمة معدة سلفاً من قبل المجلس الأعلى للقضاء لفصل 2.664 قاضٍ ووكيل نيابة.
في 30/4/2015 أُلقي القبض على القاضيين “متين أوزجليك” و”مصطفى بشر” بعد خمسة أيام من إصدارهما قراراً بالإفراج عن 63 سجيناً احتياطيّاً، بينهم الصحفيّ “هدايت كاراجا” رئيس مجموعة “سمان يولو” الإعلاميّة، وكذلك الإفراج عن زوجاتهم، وعن باحثين أكاديميين. واُعتقل القاضيان وفقدا وظيفتيهما، مع حملةٍ إعلاميّة مسيئة للقضاةِ، وعلّق المتحدث الرسميّ باسم الحكومة: “كيف يَتَجَرَّآن على الإفراج عن المشتبه بهم؟”. فيما لم يُنفّذ قرارُ الإفراجِ.
وفي سياق حملة التخويف وإرهاب القضاة المستقلين وُجدت حالات مسجّلة داهمتِ الشرطة جلسة المحكمة وقبضت على القاضي أثناء أداء عمله.