No Result
View All Result
المشاهدات 0
عبد الله آوجلان –
يَبلُغُ الاقتصادُ معناه الحقيقيَّ في العصرانيّة الديمقراطيّة، ويُعَبِّرُ عن البنيةِ الممنهجةِ القَيِّمةِ التي تُبرِزُ قيمةَ الاستخدام (خاصيّة تلبيةِ الحاجاتِ الأهمّ) كحاجاتٍ أوليّةٍ للطابق الأرضيّ، وقيمةَ المقايضة (مُعَدَّلات تَبادُل السلع) كاقتصادِ السوقِ الحقيقيّ. هكذا يَخرجُ الاقتصادُ من كونه ساحةً تُعَوَّلُ عليها حساباتُ الربح. ويتمّ الجزم بماهيّةِ الأساليب وكيفيّةِ استخدامِ الحاجاتِ الأساسيّةِ بأفضل الأشكال إثماراً وعطاءً، دون التمخّض عن التمايز الطبقيّ، ودون إلحاقِ الضرر بالأيكولوجيّا؛ لِيَبلُغَ الاقتصادُ معناه الحقيقيّ من حيث كونه ساحةَ نشاطٍ اجتماعيّ. أي أنّه يَكتَسِبُ معناه كشكل النشاط الأساسيّ الذي سيتنامى عليه المجتمعُ الأخلاقيّ والسياسيّ، وسيُطَوِّرُه أيضاً على السواء.
لَم تتخلَّصْ الحداثةُ بمفهومِها الاقتصاديِّ من وجهةِ النظر الطبقيّة (وجهة نظر البورجوازيّة في الهيمنة)، بما في ذلك الاقتصادُ السياسيُّ الماركسيُّ أيضاً. حيث ظَلَّت في وضعِ إهمالِ وحجبِ أرضيّةِ المجتمع التاريخيّ برمّته، من خلالِ ربط القيمةِ بعلاقةِ ثُنائيّةِ العامِل – ربِّ العمل. القيمةُ ثمرةٌ من ثمارِ المجتمع التاريخيّ. فَلنَدَعْ جانباً كونَ ربِّ العمل والعامِلِ المتنازلِ يُؤَمِّنان هذه الثمرة، بل هما أساساً في مكانةِ نَهَّابيها. وبرهانُ ذلك جليٌّ بسطوع. فمن دونِ كدحِ المرأة المجانيّ، لا يمكن لربِّ عملٍ أو عامِلٍ متنازِلٍ واحدٍ فقط أن يُشبِعَ بطنه أو إدارةَ حياتِه اليوميّة. هذا المثالُ لوحده يُظهِرُ بوضوحٍ تام وجهَ الرأسماليّةِ اللا اقتصاديّ. بَيْدَ أننا نَكشفُ بإسهاب عن استحالةِ وجودِ المدنيّة عموماً والحداثة الرسميّة خصوصاً، دون وجودِ المجتمع التاريخيّ.
التكامُلُ الصناعيُّ والأيكولوجيُّ لِقِيَمِ الاستخدام والمقايضة أساسٌ في البُعدِ الاقتصاديّ للعصرانيّة الديمقراطيّة. فحدودُ الصناعة تستند إلى حدودِ الأيكولوجيّا والاحتياجاتِ الأوليّة. أي، يستحيلُ تَخَطّيها لِهذَين الحَدَّين. والصناعةُ التي ستَظهَر للوسط في هذه الحالة هي صناعةٌ أيكولوجيّة. فالصناعةُ اللا أيكولوجيّة صناعةٌ لا اقتصاديّة. الصناعةُ التي تَحَرَّرَت من قيودِها مع الأيكولوجيّا لا تختلف البتّة عن وحشٍ آليّ (يُبِيدُ البيئةَ بِأكلِها دون توقّف). إلى جانب أنّ الصناعةَ المتحررةَ من روابطها مع اقتصادِ الاحتياجاتِ الأوليّة لا قيمةَ لها عدا هدف الربح. من هنا، فالصناعةُ الأيكولوجيّةُ بمثابةِ مبدأ أساسيّ مدعوم بهذه الحجج. إنّه مبدأ أساسيٌّ ينبغي أنْ تَلتَزِمَ به جميعُ النشاطات الاقتصاديّة. في هكذا وضع تَجِدُ الممارسةُ الاقتصاديّةُ معناها الحقيقيّ، ويَخلُو الميدانُ من الأرضيّة الاجتماعيّة للبطالة، الإنتاج الزائد أو الناقص، البلدان أو المناطق النامية أو المتقدّمة، تَضادّ القرية والمدينة، الهُوَّات الطبقيّة، ومن الأزمات الاقتصاديّة والحروب.
البطالةُ حصيلةٌ خالصةٌ لانحرافِ البنية الاقتصاديّة الهادفة إلى الربح. لا مكانَ لهذا الانحراف في البُعد الاقتصاديّ للعصرانيّة الديمقراطيّة. ذلك أنّ البطالةَ وضعٌ اجتماعيٌّ هو الأكثر تنافياً مع الإنسانيّة.
زيادةُ أو نُقصانُ الإنتاجِ أيضاً ثمرةُ انحرافِ البنية الاقتصاديّة الهادفة إلى الربح. إذ لا معنى لِنُقصانِ الإنتاج، ولا لزيادته، ما دامت الاحتياجاتُ الضروريّةُ عالقةً، والصناعةُ متناميةً لهذه الدرجة. إني مُرغَمٌ على التبيانِ بأهميّة أنّ الإنتاجَ الناقصَ أو الزائدَ بِيَدِ الإنسان، فيما عدا شروط الطقس والطبيعة، يُعَبِّرُ عن وضعٍ خارجَ نطاقِ الإنسانيّة بقدرِ البطالة على الأقل.
No Result
View All Result