حرب المعلومات

محمد داوود داوود –

يؤكّد كثيرٌ من المؤرخين العسكريين أنّ السببَ في معظم الهزائم الكبرى التي فنيت فيها جيوش كانت تحظى بكثير من الاحترام والتقدير النابعين من أدائها الجيّد والمتميز في ميادين المعارك إنّما يرجع في جانب كبير وأساس منه إلى غياب المعلومات السليمة في التوقيت المناسب والمعلومات هي الشيء الوحيد الذي لا تتغير قيمته وأهميته في الحرب بتغيّر الظروف أو الأوضاع. فمثلاً لو كان نابليون بونابرت في معركة واترلو حزيران 1815 يعلم بوجود قوات بروسيّة يزيد حجمها على عشرين ألف رجل على جناحه الأيمن لكان ساند قائدَه الجنرال ناي بالقوات الفرنسيّة الإمبراطوريّة ولكن افتقاد هذه المعلومة الثمينة في الوقت المناسب جعل نابليون يحجم عن اتخاذ مثل ذلك القرار فكانت النتيجة أنّ انهزم نابليون هزيمة تسببت في القضاء على مستقبله كقائد عسكريّ وكإمبراطور. وبعد مائة عام من تلك المعركة عادت المعلومات لكي تؤكّد أنّها بمثابة الخصم الذي لا يقهر بالنسبة لأيّ قائد يتخلّى عن حرصه الذي ينبغي ألا يدانيه حرص على تأكيد وتحديث معلوماته في كلّ لحظة وذلك في معركة المارن الأولى بين ألمانيا من ناحية بقيادة الجنرال فون مولتكه وكان حجم قواته فيها 900 ألف جندي وقوات الحلفاء فرنسا وبريطانيا بقيادة الفيلد مارشال جوزيف جوفريه وكان حجم قواته مليون و80 ألف جندي وفي الوقت الذي كانت فيه تطورات المعركة تسير في صالح فون مولتكه وقواته وكانت القوات البريطانيّة تنسحب إلى خط دفاعيّ فيما وراء نهر السين والجيش السادس الفرنسيّ يتأهّب للارتداد لتدعيم حماية باريس فإذا بالمعلومات تلعب دورها الخطير والحاسم حيث أفادت التقارير الواردة من طائرات الاستطلاع أنّ القوات الألمانيّة بدلاً من أن تتحرك غرباً طبقاً لما مخططاً لها فإنّها تتحرك شرقاً وبذلك عرضت جانبها لقوات الحلفاء وبعد تردد قامت قوات الحلفاء بشنِّ هجوم مضادٍّ على الجانب المعرض للقوات الألمانيّة وأوقعت بها خسائر فادحة وتحوّل الانتصار الذي كان ذلك بسبب المعلومات التي وردت لهم في لحظة مناسبة وفي الحروب المعاصرة أصبحت المعلومات مساوية لقيمة التدريب الجيد كما ازدادت أهمّية الاعتماد على عناصر متخصصة لجميع المعلومات وذلك بعد أن أصبحت المعلومات مصدراً أساسيّاً من مصادر تحقيق ميزة نسبيّة في ميدان المعركة وفي مسرح العمليات وفي الحرب بشكل عام وبعد أن دخلت البشريّة عصر تكنولوجيا المعلومات /عصر ما بعد الصناعة/ أصبحت المعلومات تشكّل عالماً قائماً بذاته وبصفة عامة تشتمل حرب المعلومات على شقين أساسيين ينبغي الحرص على تحقيق كلّ منها على نحو متوازن وأول هذين الشقين يختص بجميع الأنشطة والأعمال الخاصة بالحصول على المعلومات والقسم الثاني يختص بمنع الخصم من الحصول على ما يريده من معلومات.
على هذا تُعرف المصادر الغربيّة «الأمريكيّة بصفة خاصة» حرب المعلومات بأنّها: كلُّ عملٍ يهدف إلى حرمان العدو من الحصول على المعلومات وإفساد كلّ خططه التي تهدف إلى تنظيم أنشطة جمع المعلومات لديه وذلك بالإضافة إلى حماية جميع الأنشطة التي تقوم بها قواتنا واستغلال نتائج عمليات المعلومات التي تقوم بها تلك القوات في جميع الأوقات تشتمل حرب المعلومات على ثلاث مهام أساسيّة:
المهمة الأولى: منع الخصم من الحصول على المعلومات أو السيطرة على المعلومات واستغلال كلّ ما هو متاح منها الاستغلال الأمثل وذلك في الوقت الذي تتمُّ فيه حماية عمليات جمع المعلومات التي تقوم بها القوات الصديقة من أيّ هجوم عليها.
المهمة الثانية: استغلال المعلومات كسلاح هجوميّ.
المهمة الثالثة: تعظيم كفاءات القوات إلى أقصى حدّ ممكن من خلال جمع واستخدام المعلومات اعتماداً على مجموعة من المصادر العالميّة.
التفسير الأمريكيّ لحرب المعلومات:
بعد انتهاء حرب الخليج أصدر الباحثتان ألفين وهايدي توفلر كتاباً بعنوان «الحرب والحرب المضادة»، حظي باهتمام واسع من قبل المؤسسة العسكريّة الأمريكيّة التي اعتمدت على فكرته الرئيسيّة في بلورة مذهبها العسكريّ القائم على حرب المعلومات تقوم فكرة الكتاب على افتراض أنّ الحرب ما هي إلا انعكاسٌ لنمطِ الإنتاج السائد في حقبة تاريخيّة معينة غير أنّ قوة ثورة المعلومات سينتج عنها ضغط أبعاد الزمان والمكان في هامش أضيق بسبب انتقال الحرب إلى الشبكة الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار الحدود الزمانيّة والمكانيّة التي حكمت مستويات الحروب الثلاثة بحيث تتضاءل المسافات الفاصلة بينهم هذا الدمج بين مستويات الحرب يعكس سهولة انتقال أثر الأحداث من المستوى التكتيكيّ إلى المستوى الاستراتيجيّ والعكس كذلك كما أنّ الفارقَ بين المستويين التكتيكيّ والعملياتي يكاد ينعدم بحيث يصعب التفريق بينهما ومن ثم تتحول الحرب إلى عمل عسكريّ متصل ينتقل فيه أثر الأحداث عبر مستوياتها الثلاثة بسرعة فائقة.في هذا العصر يشهد العالم تطوراً نوعيّاً هائلاَ في مجال تكنولوجيا الاتصال والتّواصل ونقل وتخزين المعلومات، وقد أضحى نقلُ المعلوماتِ في غاية السهولة والسرعة، لدرجة الآنية، ويمكن مواكبة الأحداث حول العالم لحظيٍّاً وبوسائل النقل المباشر عبر النقل التلفزيونيّ والمواقع الالكترونيّة والألياف البصريّة، وسواها. وقد أدّت هذه الطفرة إلى تغييرات كبيرة في نموذج الحياة والعلاقات الاجتماعية والاقتصاديّة والانتاجية وكذلك على وسائل النقل والمواصلات والصناعة والاقتصاد والتسويق وأسواق البورصة والعملات. فكان من الطبيعيّ أن تكون ميدان الحروب وأحد أدواتها.ومع زيادة أهمية الشّبكة العنكبوتيّة وتكنولوجيا الاتصال، ودورها الكبير لم يعد بالمقدور الاستغناء عنها في تنظيم عمل المجالات الحيويّة وشبكات الكهرباء والمياه، والتعاملات المصرفيّة، وأدق تفاصيل الحياة اليوميّة، ناهيك عن الهواتف النقالة والبرامج الحديثة المحمّلة عليها، ما أدّى إلى تعاظم أهمية حرب المعلومات، واتساع دائرة الدراسات والأبحاث المعنية بهذا المجال. وبرزت هذه الأهمية في سياق الحروب غير التقليديّة والمواجهات اللامتماثلة.
من الأهميّة بمكان مواصلة العمل على مواكبة التطوّرات التقنيّة في الميادين المختلفة وبخاصة أنظمة المعلومات والاستخدامات في المجال العسكريّ والمؤسسات الأمنيّة وجمع المعلومات والأدلة، الأمر الذي يتطلب خلق ثقافة معرفيّة اجتماعيّة عامّة، فيما يتصل بفهم الحروب الحديثة والتطورات التي طرأت عليها، ومن بينها حرب المعلومات، للحدّ من قدرة العدو على استخدام «المقدرة التقنيّة» سلاحاً أساسيا في حربه النفسيّة لاستهداف الروح المعنويّة للمواطنين.أخيراً يمكن ملاحظة السلوك السياسيّ والتدفق الإعلاميّ وما يصدر من بيانات وتصريحات وما يصطلح عليه بالتسريبات الصحفيّة لمعرفة حجم الدور الذي تقوم به، فحكومة أنقرة استبقت الانتخابات المبكرة بكم هائل من الضخ الإعلاميّ للتأثير على وجهة نظر الناخب.