No Result
View All Result
المشاهدات 0
عبدالله أوجلان –
ثمّة أوضاعٌ قد يَفُوزُ فيها الطرفُ المتمسكُ بالدفاعِ الذاتي (الطرف المُحِقّ) بِتَفَوُّقٍ نهائيّ. لكنّ الشروطَ الثلاثةَ لأجلِ السلامِ لا تتغيرُ حتى في هذه الحالة. فكما شُوهِدَ في الاشتراكيةِ المشيدةِ والعديدِ مِن حروبِ التحررِ الوطنيِّ المُحِقّةِ والعادلة، فالهرعُ وراءَ السلطةِ والدولةِ الخاصةِ بها، واستتبابُ الأمنِ والاستقرارِ في ظلِّ تلك السلطةِ والدولة، لا يُمكن أنْ يَكُونَ سلاماً. ما هو قائمٌ هذه المرة هو إحلالُ قوةٍ محلية (رأسمالية الدولة أو الشريحة المسماة بالبورجوازية القومية) مَحَلَّ قوةٍ أجنبية (احتكارية). والواقعُ السوسيولوجيُّ لن يتغير، حتى لو سُمِّيَت بالسلطةِ الاشتراكية. ذلك أنّ السلامَ مِن حيث المبدأ ليس ظاهرةً متحققةً بِتَفَوُّقِ السلطةِ والدولة. لا يُمكنُ للسلامِ أنْ يَدخُلَ الأجندة، ما لَم تَقُمْ السلطةُ والدولة، أياً كان اسمُها (البورجوازية، الاشتراكية، القومية، اللاقومية، لا فرق في ذلك)، بمشاطرةِ تفوَّقِها مع القوى الديمقراطية. وفي آخِرِ تحليل، فالسلامُ وفاقٌ مشروطٌ بين الديمقراطيةِ والدولة. تحتلُّ أقاصيصُ هذا الوفاقِ حَيِّزاً زمنياً ومكانياً شاسعاً مدى التاريخ، حيث جُرِّبَ في العديدِ من الفتراتِ والأماكن. فكان هناك المبدئيُّ والطويلُ المدى منه. وكان هناك ما نُكِثَ به حتى قَبلَ جفافِ الحِبر. لا تَعيشُ المجتمعاتُ منحصرةً في تأسيسِ قوى السلطةِ والدولة فقط. بل، ومهما ضُيِّقَ عليها الخناقُ وحوصِرَت، فهي تَعرِفُ كيف تستمرُّ بوجودِها في ظلِّ هوياتِها الأخلاقيةِ والسياسيةِ الذاتية، ما دامت لَم تُفْنَ بِقَضِّها وقَضيضِها. وربما كانت هذه الحقيقةُ هي التي لَم تُكتَبْ في التاريخ، مع أنها الحالةُ الأساسيةُ للحياة.
إنّ عدمَ النظرِ إلى المجتمعِ على أنه قصصُ الدولةِ والسلطة، بل افتراضَه طبيعةً مُعَيِّنة على النقيض من ذلك؛ قد يُساهِمُ في تكوينِ علمِ اجتماعٍ أكثرَ واقعية. لا يُمكن للسلطاتِ والدولِ واحتكاراتِ رأسِ المالِ أنْ تُزِيلَ المجتمعَ مِن الوسطِ في أيِّ وقتٍ من الأوقات، مهما كانت ضخمةَ وثرية (كمثالِ فرعون وقارون)، ومهما تَوَحَّشَت لدرجةِ ابتلاعِ المجتمعِ كما في راهننا (اللوياثان الجديد). ذلك أنّ المجتمعَ هو الذي يُحَدِّدها في نهايةِ المآل. والمُحَدَّدُ (المنفعل) لا يُمكنُه احتلالَ مكانِ المُحَدِّد (الفاعل) في أيِّ زمنٍ كان. فحتى قوةُ السلطةِ الأكثر لمعاناً وبريقاً في الدعايةِ الإعلامية (مثلما في يومنا)، لا تكفي لطمسِ أو حجبِ هذه الحقيقة. إنها القوى الأكثر سفالةً، والتي تَبعَثُ على الشفقة، رغمَ تَخَفِّيها بمظهرِها المارد. ومقابلَ ذلك، فلن يفتقرَ المجتمعُ البشريُّ إلى إيجادِ المعنى، بوصفِه كيانَ الطبيعةِ الخارقَ تماماً منذ نشوئه.
سوف يُشَكِّلُ نظامُ الحضارةِ الديمقراطيةِ موضوعَ الفصلِ اللاحقِ كنظامِ تفسيرِ وعَلمَنَةِ المجتمعِ وإعادةِ إنشائه في ظلِّ هذه البراديغما الرئيسية، سواءً بحالِه القائمةِ تاريخياً أو راهناً.
No Result
View All Result