قامشلو/ دعاء يوسف ـ رغم صغر سنها، تحمل “دلع محمد علي” فوق كتفيها أعباءً تفوق طاقتها، فقررت مواجهة أعباء الحياة برسم الأمل في مستقبل طفلتها، وذلك عبر صناعة مواد التنظيف كمصدر رزق لها.
في زمنٍ سرقت فيه الحرب ملامح الأمان، وغيّبت فيه الأحلام خلف ركام الفقد والمعاناة، تشرق حكايات نساء من رماد الألم ليصبحن رموزاً للصبر والكرامة، من بينهن تبرز “دلع محمد علي”، الشابة العشرينية التي لم تنحنِ لليأس، بل واجهت الحياة بصناعة الأمل من مواد التنظيف، لتغسل بها ليس فقط آثار التعب، بل وجع الفقد أيضاً، وهي أمٌ، وزوجة شهيد، وشقيقة شهيد، حملت عبء الحياة على كتفيها في سنٍ مبكرة، وقررت أن تجمع قوت ابنتها بيديها، لا بانتظار يدٍ تمتد نحوها.
مصدر رزق
وبدأت “دلع” رحلتها المهنية بعد أن التحقت بدورة تدريبية ثمانية أشهر، تعلمت خلالها أساسيات صناعة المنظفات، حيث حصلت في البداية على المواد الأولية من القائمين على الدورة، ومع مرور الوقت، استطاعت أن تعتمد على نفسها بشكل كامل، وبدأت شراء المواد الأولية، لتصنع مجموعة متنوعة من المنتجات مثل الكلور، الفلاش، سائل الجلي بنكهات متعددة، البلسم، الشامبو وغيرها من مستلزمات التنظيف.
وفي لقاء مع صحيفتنا “روناهي”، قالت “دلع محمد علي”: “أعدّ المادة في أقل من ربع ساعة، باستخدام مقادير دقيقة، وأصنع سائل الجلي مثلاً من التيلوز، حمض السلفونيك، الديكسابون، العطور والألوان”.
وأضحت، أنها تبيع الكيلو الواحد من سائل الجلي بسعر سبعة آلاف ليرة، بينما يصل سعر البلسم إلى ثمانية آلاف ليرة للكيلو الواحد، كما تعمل دلع مع مجموعة من النساء اللواتي يجابهن الحياة بالأعمال اليدوية “مجموعة أحلام صغيرة”.
ورغم ما تحققه من إنتاج، إلا أن دلع تواجه صعوبات كبيرة، أبرزها الأثر الصحي الناتج عن المواد الكيميائية المستخدمة: “رائحة المواد قوية ومؤذية للجهاز التنفسي والجلد، وأنا أرتدي كمامة وقفازات ومئزرًا واقيًا، ولكن ذلك لا يمنع تعرضي لضيق تنفس وأمراض جلدية أحيانًا”.
كما تواجه دلع تحديات في تأمين المواد الأولية أيضاً، إذ لا تكون متوفرة دائمًا، وأسعارها في ارتفاع مستمر، ما يؤثر على قدرتها في الاستمرار بالإنتاج، ويهدد مصدر رزقها الوحيد، ورغم ذلك، لا تسمح لليأس بالتسلل إلى قلبها، بل تبحث دائمًا عن بدائل وتدبر أمورها بما يتيسر.
ورغم التحديات، أكدت “دلع محمد علي” في ختام حديثها، أنها اختارت هذا الطريق لتكون معيلة لنفسها وطفلتها، دون أن تحتاج إلى دعم من أحد، فالكرامة والعمل اليدوي أهم من الانتظار أو الاستسلام: “لم أجد بديلاً عن هذا العمل، رغم صعوبته، فهو مصدر رزقي الوحيد، وسأواصل فيه طالما أستطيع”.
يشار، إلى أن قصة “دلع” ليست مجرد حكاية شخصية، بل تمثل صورة من صور صمود المرأة في وجه الحرب والفقر، وهي مثال حي على الإرادة التي لا تنكسر.