إعداد/ دلير حسن
من “تحت الدلف لتحت المزراب” هكذا وصف البعض منح منشأة الباسل الرياضية في مدينة حلب السوريّة لمستثمر تركي، والذي بدوره قرر تسميتها بالأناضول وسرعان ما ضجت وسائل التواصل الافتراضي بالخبر، والغالبية العظمى رفضت هذه الخطوة وعبّروا أنهم تخلصوا من تبعية النظام البائد لإيران حتى أصبحوا مستلمي السلطة الآن يتبعون لتركيا، وبعد الضغط الشعبي قرر المستثمر التراجع عن هذه التسمية.
وعادت منشأة الباسل الرياضية في مدينة حلب للواجهة من جديد بعد أن ظهر إعلان يوحي بالعمل على تغيير اسم منشأة الباسل إلى منشأة الأناضول، مما خلق استياءً واسعاً لدى السوريين في الداخل والخارج، حيث تداول ناشطون فيديو يظهر فيه شخص يبدو أنه المستثمر الجديد للمنشأة، تحدث خلال الفيديو عن المشروع الجديد، الذي سيوفر بين 400 إلى 500 فرصة عمل، ويضم مسابح وصالات رياضية وألعاب، إضافةً إلى مطاعم وسوبر ماركت من طابقين، على أن يكون الافتتاح التقريبي بتاريخ 6 حزيران القادم.
متى تصبح سوريا للسوريين؟
من جديد بعد نشر مقطع فيديو من إحدى الصفحات والتي أشارت أنه يتم التجهيز لنفض غبار النظام البائد عن منشأة الباسل والبداية ستكون من تبديل اسم المنشأة إلى اسم الأناضول لأن المستثمر تركي.
وسرعان ما بدأت الانتقادات الواسعة وسط موافقة قليلة جداً من بعض السوريين، ولكن الغالبية العظمى عارضت هذه التسمية وإن هذه المدينة العريقة أي حلب أحق بأن تُسمى هذه المنشأة بأسماء شهدائها أو بأسماء تدل على سوريا أو المدينة نفسها، وجاءت بعض التعليقات على الشكل التالي:
Abraham Abraham”: “تعليقي ليس للتحريض أنا ضد ذلك واحترم الدولة التركية
ولكن لا نقبل بهاد الشي شو هي الأناضول هي سوريّة ليست تركية هل في تركيا يقومون بتسميه شي ما حلب أو دمشق أو إلى آخره في تركيا منذ عام ونصف قامت السلطات بإزالة اللافتات المكتوب عليها باللغة العربية والآن نحن نُسمي الأناضول هل هذا عدل يا أصدقاء”
محمد إبراهيم سلو: “وليش الأناضول؟ طلعنا من تحت الدلف لتحت المزراب”.
أحمد بن حسين: “خلصنا من إيران نجيب تركيا يعني مابي اسم سوري أو عربي أو إنكليزي؟”.
Soubhi Abo Alhoul: “نرفض أن تبقى منشآتنا بأسماء الطغاة، كما نرفض أن تُمنح أسماء المحتلين، سواء كانوا بالأمس أو اليوم. لا “الباسل” يمثّلنا، ولا “الأناضول” يعبر عنّا. نحن شعب ثار ليكسر القيود، لا ليستبدل سجنًا بسجنٍ آخر. الأسماء ليست مجرد حروف على لافتات، الأسماء ذاكرة وهوية وولاء. كيف نقبل أن نُسَمّي مؤسساتنا بأسماء من جاع شعبنا على أيديهم، أو من تركونا لمصيرنا مقابل مصالحهم؟
منشأة في قلب حلب يجب أن تحمل اسمًا من أبناء حلب، من شهدائها، من أبطالها الحقيقيين. لا من أعدائنا، ولا من رموز سلطة أذلّتنا. هذه الأرض لنا، وهذا الحق لا نتنازل عنه. لن نسمح أن يُفرَض علينا لا الأسد ولا العثماني. حلب لا تنحني”.
عمر الشيخ: “هذا دوركم يا أهل حلب الكرام أن تدافعوا بوطنية عن أسماء ومعالم حلب وتسموها بمسمياتها التي تربط هذه المعالم بالوطن والموطن. فحلب منذ أن عرفناها شهباء؛ فلما لا يتم تسمية هذه المعلم الرياضي باسم مجمع الشهباء الرياضي”
.رفض شعبي ينتصر
وبعد هذا الرفض الشعبي الواسع، اضطر المستثمر للعدول عن قراره، والذين عبّروا عن استيائهم عن خروج سوريا من تبعية إيران ودخولها تحت النفوذ التركي، والذي يتمادى في البلاد بشتى الطرق والوسائل ومنها إغراق الأسواق ببضاعته لمختلف الأنواع، والتي أيضاً لاقت استياءً واسعاً كونها تعدُّ خطراً على المنتوج الوطني.
وبعد الانتقادات الواسعة نشر حساب باسم “عبد الرحمن غوزم” توضيحاً، قال فيه إنه تواصل مع صديقه المستثمر في المنشأة، وهو متواجد في إدلب منذ عام 2011، ونقل عنه تفهمه للملاحظات التي طُرحت حول تسمية المنشأة بالأناضول، وأعرب عن استعداده لتغييره مقترحاً ثلاثة أسماء بديلة، هي الشهباء، التحرير، الشهباء بارك.
ولتصدر مديرية الشباب والرياضة بحلب توضيحاً عبر أحد الوسائل الإعلامية، وأن تم تسمية المنشأة باسم الشهباء.
وأظهر توحد غالبية السوريين في هذه القضية قوتهم، ودفعهم للمستثمر للتراجع عن قراراه، وهذا ما يتطلب بكل خطوة على الشاكلة نفسها، وخاصةً أن الممارسة العنصرية تجاه الشعب السوري مستمرة إلى الآن في تركيا.
كنوز تدرها المنشأة؟
منشأة الباسل الرياضية التي تضم ملاعب وصالات رياضية، ومسبح دولي ومولات ومحلات… وإلخ، وكانت نقطة خلاف دائمة طوال عقد كامل من الزمن إبّان النظام البعثي السابق، فقد كانت المنشأة بيد مستثمر كان يرفض التنازل عنها لصالح الاتحاد الرياضي السوري العام، وبعد حروب ضروس بين القائمين على رياضة النظام البائد والجهات التي كانت تقف خلف المستثمر وقتها، فقد أدت في النهاية لعودتها لرعاية الاتحاد الرياضي التابع للنظام البعثي والذي بدوره منحها لمستثمر آخر! وذلك كون المستثمر القديم كان يرفض رفع سعر قيمة الاستثمار السنوية.
وفي العام 2022، وببدل استثماري سنوي وصلت قيمته إلى /٢,٣٢٨,٠٠٠,٠٠٠/ مليارين وثلاثمائة وثمانية وعشرين مليون ليرة سوريّة، وافق المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام التابع للنظام الساقط وقتها، على التعاقد مع مؤسسة مجد مهند حناوي التجارية لاستثمار منشأة الباسل الرياضية بحلب لمدة تسع سنوات، وذلك بعد المصادقة على محضر ضبط لجنة نهائي (فني ومالي)، تضمّن نتائج إجراء التقييم النهائي (الفني والمالي) بين العارضَين المتقدميَن، لاستدراج العروض الفنية بالظرف المختوم الذي حصل لاستثمار المنشأة.
وخضع البدل الاستثماري المذكور لزيادة مئوية مركبة وقدرها ١٠٪ عن السنة الثالثة والرابعة والخامسة، و٢٠٪ عن السنة السادسة والسابعة، و٣٠٪ عن السنة الثامنة والتاسعة، علماً بأن مدة الاستثمار كما ذكرنا تسع سنوات إضافةً لمدة ثلاثة أشهر للتجهيز المجاني يستفيد منها المستثمر بنهاية مدة العقد.
والمنشأة تتألف من ١٤ موقعاً استثمارياً ناهيك عن الصالات الرياضية والمسابح وملحقاتها، وكانت عادت لكنف الاتحاد الرياضي في العام 2021، وذلك بعد فسخ العقد مع المستثمر السابق للموقع وإخلائه إدارياً، إذ حسمت قضية العقد رقم /6/ للعام 2008 وملحقاته (منشأة الباسل الرياضية كاملة من مسبح و صالة “جيم”، ومطاعم ومول) والمستثمرة بقيمة لا تتجاوز 23 مليوناً لصالح الاتحاد الرياضي، وهو ما اعتُبِر إنجازاً مهماً وقتها، في الوقت الذي حاول فيه المستثمر، تمديد العقد حتى عام 2024، وبقيمة مجحفة جداً تبعاً للأسعار الرائجة وفي موقع استثماري مثالي
.ملاعب ومسابح ومشافي الباسل
وكان النظام البعثي البائد يُغرِق الملاعب والصالات الرياضية وحتى الغير رياضية مثل المشافي والمدارس وإلخ… بأسماء عائلة الأسد أو تاريخ ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي الساقط في سوريا، وهذه المنشأة الرياضية فقد سُميت باسم باسل وهو ابن الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، وشقيق رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، وقتل باسل في حادثة لم تتضح جميع تفاصيلها، إنما قيل وقتها إن باسل لقي مصرعه بحادث سير وهو في طريقه إلى مطار العاصمة السورية دمشق، وتحديداً في يوم 21 كانون الثاني من عام 1994.
وفيما شككت مصادر مختلفة بطريقة مقتل باسل الأسد، ولا تزال، فقد كان مصرعه أكبر هزة يواجهها حافظ الأسد الذي كان يعدّه لخلافته، حيث كان يشار إلى باسل بصفته “وارث” أبيه في الحكم.
وفي يوم 21 من كانون الثاني من عام 1994، وإثر إعلان مقتل باسل الأسد، أقفلت مؤسسات الدولة، وتغيّب أغلب الموظفين عن عملهم لمدة وصلت إلى 15 يوماً، في بعض الدوائر، مما اضطر إعلام نظام حافظ الأسد وقتها، إلى الإعلان عن ضرورة عودة الموظفين إلى مزاولة أعمالهم، بعدما واصلوا تغيّبهم للمشاركة المطولة في الحداد على باسل، والذي قام أحد رجال الدين المحسوبين على حافظ الأسد، بإصدار فتوى تعدّ باسل من “الشهداء”، علماً أنه كان يقود سيارته المدنية، متوجهاً إلى المطار، بحسب الرواية الرسمية.
وشكّل الأمر صاعقة نزلت على حافظ الأسد الذي أعلن وفاته بعد ست سنوات من مصرع ابنه الأكبر، فبدأ يُكثر من استقبال رجال الدين من مختلف الطوائف، لسماع كلمات التعزية بابنه الذي كان يعده لخلافته، بل كان قد شرع بالفعل بتلك الخلافة، من خلال تسميته لوزراء في الحكومة أو رؤسائها، فضلاً عن قيامه شخصياً بإصدار التعيينات المتعلقة بأكبر مناصب الدولة، ومنها مناصب المؤسسة العسكرية التي عيّن فيها كثيراً من الضباط المحسوبين عليه.
في ذلك الحين، كان بشار الأسد، رئيس النظام السوري المخلوع، مقيماً في بريطانيا، على خلفية أن شقيقه الأكبر هو الذي سيخلّف أباه، ففوجِئ باتصال هاتفي تم مطالبته فيه بالعودة، على وجه السرعة، إلى سوريا، ودون أن يتم إخباره بنبأ مصرع شقيقه.
ومنذ اللحظة التي عاد فيها إلى سوريا، قام أنصار نظام أبيه بحمله على أكتافهم، معلنين أنه وارث الوارث، أي بديل شقيقه الذي كان سيرث والده في حكم البلاد.
وفي العام الذي أُعلِن فيه عن وفاة حافظ الأسد، وهو عام 2000، عُين بشار الأسد حاكماً للبلاد، عوضاً من شقيقه القتيل، وخلفاً لأبيه المتوفى، في آنٍ واحد معاً، علماً أن بشار الأسد فقد السلطة بتاريخ 8/12/2024، وهرب إلى روسيا، وذلك بعد وصول قوات عسكرية معارضة إلى العاصمة دمشق وعلى رأسها جبهة تحرير الشام والتي تتولي حالياً زمام السلطة في دمشق.
جدير بالذكر أنه وبحسب تقرير نُشِر قبل سنوات على موقع قناة العربية بأنه لا يزال الغموض يحيط بالظروف التي قُتِل فيها باسل الأسد، إذ كثرت فيها الأقوال، وتنوعت فيها الاتهامات والروايات. ومن هذه الروايات، أنه لقي مصرعه اغتيالاً بسبب صراعات على السلطة، لا بحادث سير.
ويعتمد أصحاب رواية مقتل باسل اغتيالاً، على جملة من الخلفيات التي كان منها وقوع صراع على السلطة بين حافظ الأسد وأحد أشقائه وهو رفعت الأسد، وذلك قبل سنوات من مقتل ابنه، ووصول هذا الصراع إلى مواجهة عسكرية مباشرة، كادت تندلع لولا تدخّل الأُمّ ونزولها إلى الشارع، حسب ما قالت المصادر الموثوقة.
وجاء في هذا السياق، في مقال للدكتور أحمد أبو مطر، نشر في موقع “إيلاف” الإلكتروني بتاريخ 16 شهر تشرين الثاني من عام 2011، إن “الصراع على الاستئثار بالسلطة، لم يكن نتيجته محاولات انقلاب رفعت على أخيه (حافظ)، ولا قتل العديد من ضباط الجيش والوزراء ورئيس وزراء مثل الزعبي، بل طالت باسل الابن البكر لحافظ الذي تمت تصفيته في الحادي والعشرين من كانون الثاني عام 1994”. حسب ما جاء في التقرير المشار إليه والذي نُشر بعنوان: “أطروحات رفعت الأسد عائلية طائفية مرفوضة”.