المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني والمتغيّرات الإقليمية والدولية

(قراءة في التوقّعات القادمة)

د. أحمد سينو

بعض الدلالات على المتغيّرات الدولية والإقليمية

يمكن الإشارة إلى بعض هذه الدلالات من خلال الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط برمّتها؛ ومنها زيارة أحمد الشرع إلى باريس وتلقّي الطلبات الفرنسية والأمريكية بخصوص الوضع السوري الداخلي، فيما يتعلّق المجموعات المرتزقة التي تعيث فساداً في سوريا وتهدّد أمن المنطقة، وما يتعلق بمحاربة الإرهاب وداعش، وضرورة الاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية شريكة التحالف الدولي في محاربة الإرهاب، والاتفاق الذي تم بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي ورئيس سلطة دمشق أحمد الشرع، وتعزيز الحقوق الكردية وحقوق الشعوب السورية في ظل سوريا لامركزية، وأنّ العالم ينتظر الأفعال وليس الأقوال، ومن ثم تقييم الوضع في سوريا بعد ستة أشهر.

ومن الدلالة على المتغيّرات النوعية في المنطقة دخول سوريا، في مفاوضات مع إسرائيل بطريقة غير مباشرة وبواسطة دولة الإمارات العربية المتحدة؛ وهذا ينبّئ بتغيّر جديد غير معهود منذ عام 1948م في منطقة الشرق الأوسط، وقد تدخل سوريا في سلسلة الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل، ومن الدلالة على تلك المتغيّرات تعيين مندوب أمريكي في غزة، وتصفية النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان بعد سقوط الأسد، وقمع الحوثيين في اليمن بعد أن أعلنوا أنّهم سوف لن يستهدفوا السفن والبواخر الأمريكية؛ فالأذرع الإيرانية تضمحلّ في المنطقة رغم أنّ المفاوضات حول الملف النووي الإيراني لم تنتهِ بعد، والصراع العسكري بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية المستمرّ منذ أربعة عقود، وصراع النفوذ بين تركيا وإسرائيل في سوريا على الرغم من وجود مفاوضات بين الجانبين في أذربيجان في العاصمة باكو، والأهم من ذلك مبادرة القائد عبد الله أوجلان للسلام والمجتمع الديمقراطي وإنهاء الصراع، والتي استجاب لها زعيم الحركة القومية دولت بهجلي وصرح بها في البرلمان التركي، وبتأييد من أردوغان، لإنهاء حالة الحرب بين حزب العمال الكردستاني وتركيا.

ومن المتغيّرات التي أحدثها نداء المفكر عبد الله أوجلان التاريخي للسلام والديمقراطية، وتلاه مؤتمر حزب العمال الكردستاني، زيارة محمد شياع السوداني إلى تركيا، فلم يعد من المبرّر إبقاء القوات التركية في العراق، وخلال الزيارة تمّ الحديث عن طريق التنمية وعن المياه والجفاف في العراق؛ وهذا تحوّل واضح في السياسة العراقية والتركية، وهو من المتغيّرات الجديدة في المنطقة، وسيجري دمج الحشد الشعبي بحيث لا يكون ذراعاً إيرانياً مباشرة، وسيشرعن بقوانين ودساتير عراقية جديدة؛ بمعنى تخفيف الدور الإيراني الذي كان معلناً وبشكل علني وكثيف.

ومن المؤشّرات على المتغيّرات الإقليمية بعد بيان القائد عبد الله أوجلان هي المفاوضات الكردية ـ الكردية، ومؤتمر وحدة الموقف والصف الكردي في قامشلو الذي كان له صدى كبير في سوريا وفي المنطقة، وعقد الاتفاق بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي ورئيس سلطة دمشق أحمد الشرع حول دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري، والتفاهمات على اللامركزية في مناطق شمال وشرق سوريا، والتفاهم حول عودة المهجّرين من عفرين وسري كانيه إلى منازلهم، وانسحاب مرتزقة الاحتلال التركي من سد تشرين.

المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني.. خطوة نحو السلام

تناولت وسائل الإعلام العالمية والعربية والمحلّية مؤتمر حزب العمال الكردستاني الذي انعقد بين الخامس والسابع من أيار الجاري، والذي سيفضي إلى إنهاء الصراع الكردي – التركي على مدى أكثر من أربعة عقود، الصراع الذي كلّف الدولة التركية والخزينة عشرات المليارات من الدولارات، ناهيك عن الخراب والدمار والقتل، والخسارة وتوقّف التنمية في تركيا وكل المناطق الكردية في كردستان الشمالية.

شارك القائد عبد الله أوجلان في المؤتمر وحسب مراقبين؛ فإنّ القرارات وصفت بالإيجابية لتركيا والداخل التركي والعراق وسوريا. ومن المعروف أنّ حزب العمال الكردستاني لديه مناصرون في المناطق المذكورة والعالم؛ ممّا يعني أنّ التغيّرات الإيجابية ستكون نحو السلام والديمقراطية والتنمية والاستقرار، ويعني نهاية الحروب بالوكالة وعبر المجموعات المرتزقة ونهاية حرب الأذرع الإيرانية كما في السابق مثل حزب الله والحوثيين، ونهاية الأذرع التركية كذلك، مثل الحمزات والعمشات ومرتزقة السلطان مراد وغيرها.

آثار مؤتمر حزب العمال الكردستاني على تركيا

من المرجّح أنّ نداء السلام والمجتمع الديمقراطي قد شهد ترحيباً تركياً، خاصة أنّ اليمين التركي يمنّي النفس بإلقاء السلاح، ولا شكّ أنّ الشعب الكردي والتركي وشعوب المنطقة كلّها تسعى للسلام وتحقيق التنمية والتقدّم والتطوّر؛ فالحرب توقف عجلة التطوّر والتنمية والعلم، وسيشهد الكرد في كل المناطق والأجزاء الكردستانية القرارات والتوصيات الصادرة عن المؤتمر، وسيتناولونها بالدراسة والتحليل؛ لأنّها تتعلّق بحياتهم وبقائهم واستقرارهم. ولكن؛ كيف سيتلقّى أردوغان وحكومته هذه القرارات الناتجة عن المؤتمر؟ وهل سيستغلّ الحدث لصالحه وصالح مستقبله السياسي؟

الآن، وكما يُقال، الكرة في ملعب الحكومة التركية، بل حتى في ملعب المعارضة التركية؛ فالمتغيّرات سوف تطال تركيا نفسها وعليها أن تراجع حساباتها، لقد غزتهم الدعوة الكردية للسلام والتي أدهشت العالم مثلما أدهشت المرأة الكردية العالم ببطولاتها وتضحياتها، ربما أدهشت دعوة المفكر عبد الله أوجلان العالم بصبره وشجاعته في السجن الانفرادي أكثر من ربع قرن، فهذه الدعوة هي للسلام والديمقراطية، إذا ما لامست هذه الدعوة وكذلك مؤتمر حزب العمال الكردستاني طموحات الحكومة التركية في التغيير. لذا؛ على تركيا تغيير الدستور التركي وكذلك القوانين السابقة المجحفة بحق الشعب الكردي والشعوب الأخرى في تركيا، وأن تسعى تركيا بشكل أعمق نحو الديمقراطية وتمنح الحقوق السياسية والثقافية والتمثيل الحقيقي في البرلمان والبلديات، واعتبار اللغة الكردية لغة رسمية في الدولة؛ وهذه المطالب موجّهة للأحزاب الحاكمة والمعارضة على حد سواء، فتركيا والأيام القادمة حُبلى بالأحداث والمواقف، ولنا عودة للقراءة فيها.