د. لقمان عبد الله
تترقّب الأعين الكردستانية وبشغفٍ شديد ومنذ سقوط نظام بشار الأسد وحتى وقت كتابة هذه المقالة انعقاد مؤتمر قد يظنون أنه المُخلّص لهم من حالة عدم الاستقرار الناتجة بشكلٍ بديهي عن عدم الاعتراف بأي تكوين كردي في الشمال السوري، رغم إن المجتمع الكردي في سوريا كان ولا يزال له الحضور الأقوى في أي تطور تاريخي في مسار الجمهورية السورية، وقد كان الكرد من أول المدافعين عن الجغرافية السوريّة منذ التأسيس وحتى سقوط آخر نظام قمعي شوفيني إقصائي، غير أن الحكومات السوريّة المتعاقبة لم تُنصِف الكرد واعتبرتهم على الدوام أعداءً للدولة السوريّة وذوي نزعات انفصالية طالما يطالبون بحقوقهم المشروعة، الأمر الذي أفتر عزيمة الحس الوطني السوري لدى الغالبية العظمى من المجتمع الكردي في سوريا، وكنتيجة متوقعة دفعته تلك الممارسات إلى الميل باتجاه الفكر الانعزالي الأقرب إلى مفهوم الانفصال منه إلى الاندماج داخل مؤسسات المجتمع السوري، لقد وجد الإنسان الكردي نفسه معزولاً عن المجتمع السوري ورأى جميع أنواع الإنكار والتهميش والإقصاء، بالإضافة إلى محاولة الصهر والإبادة العرقية وإنهاء مفهوم الوجود التاريخي للشعب الكردي علي أرضه التاريخية ضمن جغرافيا سوريا، لذا وكردٍّ فعل منطقي على جميع تلك المخاوف أدرك الإنسان الكردي أنه لا مفر له سوى الالتفاف على بني قومه ومحاولة المقاومة الجماعية في وجه محاولات إنهاء الوجود الفكري والتاريخي للشعب الكردي، لكن وللأسف بغياب القيادات الوطنية الحقيقية وغياب أيديولوجيا المقاومة وإثبات الذات، رغم أن الحراك الكردي القومي في سوريا قد انطلق منذ خمسينيات القرن العشرين إلا أن النضج القومي الثوري لم يبلغ نموه الفعلي إلا بعد الثمانينات من القرن نفسه، لكنه كان نضجاً خجولاً ولا يرتقي إلي مستوى اتخاذ القرارات المصيرية في قيادة المرحلة واستثمار الأحداث لصالح المصلحة الكردية العليا، كيف لا والحزبوية المرتبطة والمصالح الشخصية الضيقة – وحتى العائلية – حالت دون وجود أي ثقل تاريخي للحراك السياسي الكردي في سوريا، وإذا استثنينا دور الأحزاب الاشتراكية في تغيير ذهنية المطالب الكردية في سوريا فإن بقية الحراك كان ولا يزال يدور في دوامة التغييرات الإصلاحية كما كان يتم وصف الأحزاب الكردية به في نهاية القرن العشرين، لكن ومع وصول أوائل المبشرين بالتغيير الجذري الثوري من كوادر حزب العمال الكردستاني إلى الأراضي السوريّة وإيقاظ التنين الأيديولوجي الكردي من سباته الطويل حيث نشطت الحركة السياسية الكردية وبدأت الأحزاب السياسية تتحسس مدى الخطر الوجودي الذي يهدد عروش ممالكها المنغرسة في مستنقعات التقولب الفكري المتجمد، لذا سارعت إلى البدء في مسابقة الزمن من أجل الحصول على حصة ضمن العمليات الانتقالية السياسية داخل البنية السوريّة والانفتاح على الأبعاد الكردستانية المتعددة والمختلفة في المجالات الأيديولوجية والقوموية، وهذا ما يفسر اقترابها أيضاً من الجهات الأمنية ومحاولة فرض نفسها كممثل ومخلص للشعب الكردي، غير أن ذلك لم يمنعها بتاتاً من متابعة إدارة أعمال مصالحها الشخصية الضيقة وتفضيلها على المصلحة القومية العامة، وللأسف عملت قواعدها دوراً سلبياً كبيراً في الانبطاح وتقبّل التقرب الخاطئ من قيادات تلك الأحزاب من المصالح العامة، وأصبحت تلك القواعد تروّج لأحزابها متجاوزة جميع الأخطاء والتجاوزات في سبيل إرضاء التعنت الكردي في إثبات صحة معتقده الفكري، لعل ذلك الواقع المرير يحول دون الوصول إلى مؤتمر كردي مشترك يتجاوز الأخطاء والمفاهيم السلبية من قبل جميع الأطراف ناهيك عن التدخّلات الخارجية والوصاية والولاية في اتخاذ مثل تلك القرارات المصيرية الحاسمة، ولا بديل عن الانسلاخ الشخصي والحزبوي في سبيل الوصول إلى طاولة مشتركة للحوار الوطني الكردي وبدء خطوة الألف ميل للوصول إلى المصلحة الكردية والكردستانية العليا.