سيد أبو اليزيد
لا يمكن البناء على عملية السلام بين الكرد والأتراك بالتصريحات الإيجابية فقط، بل لابد من اتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع تمهد الطريق لوضع نهاية للحرب مما يستدعي إرادة سياسية من النظام التركي لتسريع الخطوات البطيئة التي تعتمد فقط على الآمال والتطلعات دون التوجه العملي نحو عملية السلام التي دعا اليها المفكر الأممي عبدالله أوجلان لتحقيق وحدة التنوع بالمجتمع الديمقراطي.
ولا يمكن إغفال إن فرض الحرب على طرف مقاتل لا يستدعيه للمقاومة، ولا يمكن إلقاء السلاح دون وجود ضمانات، ولا يمكن الحديث عن هجمات الإبادة السياسية واستمرارها في مجال السياسة الديمقراطية وتعرّض أوساط اجتماعية مختلفة ومؤسسات ديمقراطية للاعتقال بشكلٍ مستمر والسجون ممتلئة بالمعتقلين ومن بينهم المعارض التركي أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الذي تم اعتقاله خلال الشهر الماضي وعزله من منصبه، مما يُعدُّ على وصف بعض من الدوائر الغربية بأنه انتكاسة خطيرة للديمقراطية في تركيا.
ولا يمكن التوقف عند التصريحات الإيجابية وفي نفس الوقت لا تزال الهجمات التركية والحرب بالأسلحة والقصف بالطائرات على الشعب الكردي الأعزل، ثم الذهاب إلى كافة أنحاء العالم لتوقيع اتفاقيات ضد حزب العمال الكردستاني.
أتصور إنه يمكن البناء عل التصريحات الأوروبية الأخيرة لدعم عملية السلام بين الكرد والأتراك والنقاشات التي تجري لدى بعض الأطراف الديمقراطية والحركات النسائية والشبيبة الثورية داخل الأطراف اليسارية والاشتراكية داخلياً وخارجياً، ولكن كلما اقتربنا من تحقيق الأمل المنشود من السلام على أرض الواقع إذ نُفاجأ بمن يقفون ضد الديمقراطية.
أعتقد إن العقلية السياسية الرشيدة هي التي تؤمن بالنهج الديمقراطي الذي لا يتعارض مع تحمل أداء المعارضة وعدم تحمّلها يُفضي إلى انقضاء البناء الديمقراطي ولا يمكنها ترسيخ ديمقراطية في الدولة أو المجتمع. لذلك؛ ليس من المستغرب أن يطل علينا في وسط هذه الأحداث من يقفون ضد الديمقراطية وطريقها لخنق مستقبل تركيا.
الكثير يدرك إن المجموعات أو حتى الأحزاب التي تقف حجر عثرة لطريق الديمقراطية ليس لديهم مشاكل أو مخاوف بشأن استقرار تركيا ومستقبلها واهتمامهم الوحيد هو مصالحهم الضيقة وبالتالي من المهم عزلهم لتورطهم في مصالحهم الخاصة فضلاً عن استغلال بعض القوي لتعزيز نفوذها السلطوي ولذلك تظل ممارستهم في القمع والاعتقالات قائمة بحق المعارضة. وليس خافياً على أحد من تصريحات القائد عبد الله أوجلان باتخاذ أقصى درجات الحذر من أعداء السلام أثناء الاتجاه للإسراع بهذه العملية. ولذلك؛ لم يكن مستغرباً لواقعة تعرض سري ثريا أوندر عضو وفد إمرالي في تركيا لوعكة صحية مفاجئة تم على إثرها إجراء جراحة خطيرة له مما أدى إلى تأجيل اللقاء الذي كان مرتقباً لوفد إمرالي مع وزير العدل التركي في إطار عملية السلام عقب النداء الذي أطلقه القائد عبد الله أوجلان.
كما يتزامن وقوع الحادثة مع صدور بيان من الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي تعرب عن شكوكها حول ما إذا كانت تلك الوعكة الخطيرة ناتجة عن عمل مُدبر بالنظر إلى الدور الذي يقوم به سري ثريا أوندر في العملية السياسية.
من الأهمية النظر للوضع الحالي برؤية يعتريها الشك والريبة لأنه من المعروف وجود قوى داخلية وخارجية تعارض عملية السلام والتحول الديمقراطي، حيث بذل سري أوندر أنشطة وجهود فيها وبالتالي من المهم كشف ملابسات وتوضيح حيثيات هذا الحادث لإمكانية حدوث مثل هذه المواقف في اللقاءات مما يستلزم توخي الحيطة.
أعتقد أنه لا بد من تعزيز الديمقراطية واتخاذ خطوات جادة نخطوها بطرح المشاريع التي تدعمها ومنها توجه البرلمان بشكلٍ مستمر نحوها والالتزام بالاتفاق والمصالحة التي دعا إليها القائد الكردي عبد الله أوجلان والتي تحمل مضامين سلام ومسؤوليات على جميع الأطراف للوصول إلى نهاية للحرب حيث إن تطبيق نظام الإبادة والتعذيب على القائد عبد الله أوجلان تجعل الأزمة مفتوحة.