جذب برشلونة الأنظار بشدة إليه هذا الموسم بفضل القوة الهجومية الضاربة التي يتمتع بها، واكتساحه خصومه الواحد تلو الآخر ومنافسته على كل الألقاب.
وتأتي تلك الطفرة في مستوى برشلونة بعد سنوات من الخيبات عانى منها من ضعف النتائج والمستوى تحت قيادة المدربين السابقين من تشافي ورونالد كومان وغيرهم، إلى أن أتى هانز فليك الصيف الماضي ورتب تمامًا أوضاع البيت الكتالوني على الرغم من الأزمات الاقتصادية التي يمر بها.
وصنع فليك ثلاثية هجومية مدمرة تتألف من لامين يامال ورافينيا وروبرت ليفاندوفسكي، ولم يكتفِ بذلك بل ووضع بصمته في نهج الدفاع للفريق الذي اعتمد بصورةٍ كبيرة على الدفاع المتقدم الذي قد يصل إلى وسط الملعب.
وعانى خصوم البارسا كثيرًا أمام ذلك الأسلوب، وخاصةً ريال مدريد الذي سقط برباعية نظيفة على أرضه في لقاء الدور الأول بالدوري، ومن ثم خسر (5-2) في نهائي السوبر الإسباني.
ولم يجد نجوم الريال أي حل لضرب مصيدة التسلل لبرشلونة، وعلى الجانب الآخر استمتع ثلاثي الأمام بكسر دفاعات الملكي بسهولةٍ كبيرة. وظهر عجز كارلو أنشيلوتي، مدرب ريال مدريد، التام لإيجاد أي حلول أمام برشلونة فليك.
معاناة
بعد البداية القوية للموسم ظهرت معاناة برشلونة في شهر تشرين الثاني الماضي بالخسارة أمام ريال سوسيداد (1-0) والتعادل أمام سيلتا فيغو (2-2) والخسارة على أرضه أمام لاس بالماس بنتيجة (2-1).
وبدا أن خصوم البارسا بدأوا في إيجاد الحلول للدفاع المتقدم لمنافسهم وظهر ذلك في تصريحات كوبي ماينو لاعب ريال سوسيداد بعد التعادل، حيث قال: “عملنا على دفاعهم المتقدم، شاهدت فوزه بنتيجة (5-2) أمام النجم الأحمر والهدف الأول الذي استقبلوه، وشخصيًا بات لدي انطباع أن مفتاح ضرب ذلك الدفاع المتقدم هو ركض لاعبي وسط الميدان للأمام”.
وأضاف: “أعتقد أن تلك المواقف ستكون صعبة عليهم، فهم يقفون في خط لمراقبة المهاجم أو لاعبي الأجنحة، ولكنهم لن يتمكنوا أيضًا من مراقبة الخط الثاني من لاعبي وسط الميدان”.
نقطة تحوّل
على الرغم من نجاح خصوم برشلونة بعدها في إيجاد حلول بالفعل لضرب الدفاع المتقدم للبارسا، إلا أن استعادة الفريق لنتائجه الإيجابية وتسجيله الكثير من الأهداف، أمر أخفى ثغراته الدفاعية التي ظهرت بشدة في مباريات مثل استقباله أربعة أهداف أمام بنفيكا في دوري الأبطال ولكنه فاز في ذلك اللقاء بخماسية.
ويمكن القول إن مواجهة أتلتيكو مدريد في نصف نهائي كأس ملك إسبانيا كانت بمثابة نقطة التحول في خطط فليك برفقة برشلونة.
ففي لقاء الذهاب تعادل الفريقان بنتيجة (4-4) بأرض برشلونة، في مباراة شهدت مساحات هائلة في خط دفاع العملاق الكتالوني بسبب النهج الهجومي الكبير الذي يتبعه فليك، وهو الأمر الذي استغله رجال المدرب دييجو سيميوني بفضل السرعة والدقة الكبيرة في التحولات.
وعقب ذلك اللقاء خرج ديكو، المدير الرياضي لبرشلونة، ليُعرِب عن إحباطه من أسلوب لعب فليك واعتماده على النزعة الهجومية بصورةٍ مبالغ بها، حيث يرى أنه بحاجة للتأقلم بسيناريوهات مختلفة مع بعض الخصوم. ويؤمن ديكو بأن أسلوب فليك سيكون فعالًا أمام 90% من الخصوم، ولكنه يتوجب عليه التفكير في نهج مختلف أمام الـ10% المتبقية من الخصوم.
وأشارت صحيفة “سبورت” إلى إجراء ديكو محادثة مهمة مع فليك قبل لقاء الإياب، حيث طالبه باتباع نهج أكثر واقعية في المباريات الحاسمة، خاصةً بعد الانتكاسات السابقة للبارسا في الأعوام الماضية.
وتابعت “رسالة ديكو إلى فليك كانت واضحة، وهي لا مزيد من اللعب بمخاطرٍ عالية في المباريات الحاسمة التي يخوضها برشلونة خارج ملعبه”.
وبالفعل غيّر فليك من نهجه في لقاء الإياب على ملعب أتلتيكو، وأدرك جيدًا أن سيميوني سيعتمد على التنظيم الدفاعي والمرتدات، وبالتالي عمل على التمركز العقلاني للاعبيه في أرض الملعب والاعتماد على يامال في ضرب دفاعات المنافس بتمريراته السحرية كما حدث في هدف فيران توريس الذي حسم اللقاء.
وقت الحصاد
يدخل برشلونة الآن الوقت الأهم في الموسم والخاص بحصاد نتائج جهده، ويمكن لكلمات ديكو أن يكون لها تأثير كبير على خطط فليك عند مواجهة ريال مدريد في نهائي الكأس يوم السبت المقبل. فعلى الرغم من اكتساح فليك لريال مدريد مرتين بذلك النهج، إلا أن الأمر ليس مضمونًا كل مرة، ولن يكون هناك مجال للتعويض في النهائي. إضافةً إلى ذلك هناك عناصر جديدة دخلت إلى معادلة فليك، الأول هو تلميح أنشيلوتي إلى تفضيله طريقة لعب (4-4-2)، وبالتالي قد يتخلى عن أسلوب لعب (4-3-3) الذي لم يجد به أي حلول أمام البارسا. ومن شأن أسلوب (4-4-2) أن يمنح وسط ميدان الريال الترابط الذي غاب عنه تمامًا في مواجهات البارسا السابقة وأدى إلى افتقاد الانسيابية الهجومية والضعف الدفاعي الذي استغله برشلونة جيدًا في التحولات.
ويرغب أنشيلوتي في منح صلابة أكبر لوسط الميدان وتقليل المساحات في طرفي الملعب، وبالتالي السير على خطى بوروسيا دورتموند الذي اتجه إلى تكثيف عدد اللاعبين في وسط الميدان في إياب ربع نهائي دوري الأبطال على أرضه، ونجح في الفوز (3-1).
كما يعوّل ريال مدريد على عنصر آخر لتأمين الانتصار، وهو محاولة التصدي لبرشلونة في الجزء الأول من المباراة وعدم التأخر في النتيجة حتى الدقيقة 60، حيث يرى المرينجي بأنه ستكون له الكلمة العليا بالنظر إلى اللياقة البدنية في الدقائق الأخيرة من المباراة.
ومع خروج ريال مدريد من دوري الأبطال وتصدّر برشلونة للدوري، يدرك المرينجي أن الكأس قد تكون فرصته الأخيرة لعدم الخروج بموسم صفري، وبالتالي لن يغامر في النهائي.
ومع ذلك كان واضحًا إن الريال لم يجِد أي حلول أمام نهج برشلونة الخاص بالدفاع المتقدم، وبالتالي قد تأتي كلمات ديكو بنتائج عكسية على البارسا، ويستفيد الملكي من تغيير العملاق الكتالوني لنهجه إلى أسلوبٍ آخر يستطيع الميرينجي التأقلم معه والانتقام من خسائره الكبيرة هذا الموسم.
ويبقى السؤال هل يغير فليك أسلوبه بعد كلمات ديكو أم يبقى وفيًا لأفكاره؟