إبراهيم إبراهيم (كاتب صحفي/ الدنمارك)
خطاب الكراهية هو أي تعبير (كلاميًّا أو كتابيًّا أو بصريًّا) يهدف إلى التحريض على الكراهية أو العنف ضد أفراد أو جماعاتٍ معيّنة بحكم دينهم أو عرقهم أو جنسهم أو قوميّتهم أو غير ذلك من الهويّات. تنشأ ديناميكيات خطاب الكراهية في المجتمعات الشرقية (كما في غيرها) نتيجة تلاقي عوامل متعددة، نلخصها فيما يلي:
- العوامل التاريخية والهيكليّة:
الموروث الطائفي والقومي: في كثير من البلدان الشرقية ثمة خلفيات صراعات طائفيّة أو قوميّة امتدّت لعقود أو قرون، ما يرسخ عند الجماعات انطباعات عدائية تجاه “الآخر” كجزءٍ من الذاكرة الجماعيّة.
الإرث الديني: رسم الدين بالدرجة الأولى حدودًا وهميّة بين جماعاتٍ متباينة ومختلفة في الاعتقاد الغيبي، ثم جاءت قوى الشر الحاكمة والقوية لتدعم مجموعات دينية أو عرقية أو مذهبية وتفضلها على طائفةً أخرى في الوظائف والموارد، فخلّفت عداواتٍ بنيوية ما تزال تظهر في الخطاب العام.
- العوامل الاجتماعية-النفسية:
نظرية الهوية الاجتماعية (Tajfel & Turner): يميل الأفراد إلى تعزيز الانتماء لجماعتهم (“ingroup”) من خلال التقليل من شأن الجماعات الأخرى (“outgroup”)، ما يولّد خطابًا تمييزيًّا تجاه المختلفين.
نظرية الصراع الواقعي (Realistic Conflict Theory): عندما تتنافس المجموعات على مواردٍ محدودة (وظائف، أراضٍ، خدمات)… يزداد احتمال تصوير الجماعات الأخرى كخصمٍ يُهدّد “مصالحنا”، فيتوحّد خطاب الكراهية كأداة تحشيد جماعيّ.
في سوريا اليوم تتجسد صورة تلك الحالة النفسية والأخلاقية الشاذة والمدمرة في حياة سوريا والسوريين ويعد للأسف خطاب الكراهية والتحريض المذهبي والقومي في سوريا من أبرز التحديات التي ساهمت بقوة في تخريب النسيج الاجتماعي، خاصةً في ظل الصراع المستمر وتعدد الأطراف المتنازعة، حيث ساهمت فيه قوى خارجية مستفيدة “الدولة التركية مثالاً” ، وقد أظهرت دراسات عديدة أن وسائل الإعلام عامة، سواء كانت موالية للنظام أو معارضة أو كردية وبشكلٍ أخص المذهبية والسلفية الجهادية، تسهم بنسب متفاوتة في نشر هذا الخطاب، مما يُعمّق الانقسامات ويُعزز مناخ العداء بين المكونات السوريّة.
3ـ دور الإعلام ووسائل التواصل:
ثم يأتي دور الإعلام في التحيّز والتغطية الانتقائية للأحداث الاجتماعية أو الطوائف بخطابٍ سلبيّ متكرر في الإعلام التقليدي أو الفضائيات تكرّس صورة نمطية ذميمة تجاه “الآخر”.
خوارزميات منصات التواصل: تفضّل المحتوى المتشكّل من صداماتٍ وسردياتٍ مستفزة لزيادة التفاعل، فتنتشر منشورات الكراهية بسرعةٍ أكبر وتترسّخ في وعي المستخدمين.
فقاعة التصفية (Filter Bubble): زرع الأفراد في شبكات تتفق مواقفهم معه، فيعزز تبادل خطابٍ كراهِي، ويُهمّش صوت الاعتدال.
- العوامل الاقتصادية والسياسية:
الأزمات الاقتصادية: البطالة وركود الأسواق تعزّزان شعورًا بالحرمان، فيلتفّ الناس حول قيادةٍ تعبّر عن غضبهم، وغالبًا ما تُوجِّهه ضد أقلياتٍ تُحمّلها مسؤولية الوضع.
السياسات السلطويّة: الحكومات أو الأحزاب التي تتبنّى خطابًا قوميًا أو دينيًا متشدّدًا تستفيد من الكراهية كوسيلة لتوحيد القواعد الانتخابية وقمع المعارضين.
- ضعف الأُطر التشريعيّة والتربويّة:
نقص القوانين الرادعة: غياب تشريعات واضحة أو تطبيقٍ فعّال ضدّ خطاب الكراهية يترك الباب مشرعًا أمام المتنفّسين في الإعلام ومنصّات التواصل لاستغلاله.
ضعف المناهج التربوية: غياب التربية على التسامح والتنوّع في المدارس والجامعات يتيح انغراس الأُطر الأيديولوجية الضيّقة دون من يقوّضها أو يوازنها.
آليات نشوء خطاب الكراهية وتطوّره
التشيؤ (Objectification): تصوير الجماعات الأخرى على أنها “كائنات دونية” أو “تهديد”، ما يسهّل تحقيرها أو تبرير العنف ضدها.
التعميم (Overgeneralization): ربط أخطاء فرد أو مجموعة صغيرة بكل جماعة، فتنتشر الأحكام المسبقة دون تفريق.
التدوير الإعلامي (Echo Chambers): تراكم منشورات كراهية ضمن دوائر مغلقة تعيد إنتاج نفسها باستمرار.
الزخم الاجتماعي (Social Momentum): كلما ارتفع عدد من يتبنّون خطاب الكراهية، شعر آخرون بجرأةٍ أكبر للمشاركة فيه، فتتشكّل حلقة مفرغة من التعزيز المتبادل.
لمواجهة هذا الواقع المؤلم مؤسساتياً، يمكن اتخاذ مجموعة من الخطوات العملية:
1ـ إصلاح الإعلام وتعزيز المهنية:
- تبنّي سياسات تحريرية صارمة: يجب على وسائل الإعلام وضع سياسات تحريرية واضحة تمنع نشر خطاب الكراهية تحت أي ظرف، وتشمل هذه السياسات وضع إرشادات تحريرية واضحة، وتدريب الصحفيين على كيفية التعامل مع المحتوى الحساس، وتطوير آليات لمراقبة المحتوى قبل نشره.
- تدريب الصحفيين: تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية للصحفيين لرفع وعيهم حول خطاب الكراهية وأشكاله وعواقبه، وتزويدهم بالأدوات اللازمة لرصد وتجنب هذا الخطاب في تقاريرهم.
أما مجتمعياً فيتطلب أولاً
ـ تمكين المجتمع المدني وإصلاح الخطاب الديني:
ـ إنشاء هيئة وطنية مستقلة: تشكيل هيئة وطنية لمكافحة التطرف وخطاب الكراهية، تضم ممثلين عن المجتمع المدني، مهمتها مراقبة الخطاب العام، وتقديم التقارير والتوصيات.
ـ برامج توعية مجتمعية: إطلاق حملات توعية تستهدف مختلف فئات المجتمع لتعزيز قيم التسامح والتعايش، وتوضيح مخاطر خطاب الكراهية على السلم الأهلي.
أما على مستوى الخطاب الديني يمكن تدريب الأئمة والخطباء عبر برامج خاصة للأئمة والخطباء لتعزيز الخطاب التعددي، وتشجيعهم على نبذ الطائفية والتحريض، والتركيز على القيم المشتركة بين جميع المكونات.
ـ تعزيز التشريعات والقوانين:
ـ تطوير الأطر القانونية: سن قوانين تُجرّم خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وتُحدد العقوبات المناسبة، مع ضمان عدم استخدامها لقمع حرية التعبير.
ـ تطبيق القوانين بفعالية: ضمان تطبيق هذه القوانين بشكلٍ عادل وشفاف، دون تمييز، لحماية جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم.
ـ دور الأفراد والمجتمع:
ـ المساءلة المجتمعية: تشجيع الأفراد على عدم التفاعل مع المحتوى التحريضي، والإبلاغ عنه للجهات المختصة أو المنصات المعنية.
ـ نشر الخطاب الإيجابي: تحفيز النشطاء والمثقفين على نشر محتوى يُعزز من قيم الوحدة والتسامح، ويُبرز القصص التي تُظهر التعايش بين مختلف المكونات.
ـ التعاون مع المنصات الرقمية عبر إلزامها بحذف المحتوى المحرض عبر التعاون مع المنصات الرقمية المحلية والدولية لحذف المحتوى المحرض.
ـ دعم المبادرات ذات العلاقة والتي تعمل على تعزيز التقارب والتسامح بين الفئات المجتمعية عبر فتح أقنية للحوار الوطني والتواصل الثقافية لتمكين الدور المناهض الواعي أمام خطاب الكراهية والتحريض والحد منها.
إن مواجهة خطاب الكراهية تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف، بما في ذلك الإعلام، والمجتمع المدني، والمؤسسات الدينية، والأفراد. فقط من خلال العمل المشترك يمكن بناء مجتمع سوري متماسك، يسوده التسامح والتعايش بين جميع شعوبه.