هدية لفنت
ترجمة وإعداد باقي حمزة
ويستمر الصراع بين تركيا وإسرائيل في سوريا في زيادة التوترات بين البلدين، وأخيراً، ورغم أن وزير الخارجية هاكان فيدان أدلى بتصريحاتٍ تهدف إلى تخفيف التوترات مع إسرائيل، فإن إسرائيل لا تزال تنتهج سياسة مختلفة تماماً، وتستمر إدارة نتنياهو في تأجيج التوترات بتصريحاتها بأن نفوذ تركيا في المنطقة أكثر خطورة من نفوذ إيران.
فما هو سبب هذا التوتر؟ هل يؤدي ذلك إلى صراع بين البلدين في سوريا؟
وفي الواقع، يمكن القول إن التوتر بين تركيا وإسرائيل بدأ بالهجمات الإسرائيلية على غزة. لقد بذلت تركيا محاولات عديدة للاضطلاع بدور أكثر نشاطاً في هذه العملية، ولكن هذه المحاولات لم تكن ناجحة كما رغبت أنقرة بسبب تردد إسرائيل ورفضها الصريح أحياناً لمشاركة تركيا.
خلال هذه الفترة، أرادت أنقرة أن تكون أحد اللاعبين الرئيسيين في القضية الإسرائيلية الفلسطينية، القضية الأعمق والأكثر تعقيداً في المنطقة، من خلال ضمانة حماس.
وعندما قامت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي جزئياً، بتوسيع حرب غزة إلى لبنان، انتقلت العملية إلى مرحلة تصميم منطقة خالية من إيران، واعتبرت أنقرة هذه العملية أيضًا فرصة جديدة لملء الأماكن التي أخلتها إيران، وبدأت حركة دبلوماسية جديدة ومكثفة للغاية لتحقيق هذا الهدف، ولكن بينما كانت إسرائيل تحاول إبعاد إيران عن المنطقة، كانت تريد أيضاً ملء الثغرات إما بنفسها أو بالضغط عليها لملئها من قبل أطراف تحددها إسرائيل ويمكن لإسرائيل السيطرة عليها.
وفي نهاية المطاف، تصاعدت التوترات بين تركيا وإسرائيل بشكل أكبر مع سقوط نظام الأسد في سوريا والوضع غير المؤكد لروسيا التي كانت تُهيمن على الساحة السوريّة. وبطبيعة الحال، كانت العملية الانتخابية في أميركا ورئاسة ترامب، الذي لم يتردد نتنياهو في إظهار علاقاته الشخصية معه للعالم، فرصة لا ينبغي لإسرائيل أن تفوّتها. خلال هذه الفترة لم تقف أنقرة مكتوفة الأيدي، فمن جهة حاولت تعزيز حضورها ونفوذها في الميدان السوري، ومن جهة أخرى حاولت إقناع إدارة ترامب…
وفي سوريا، دمرت إسرائيل كافة المجمعات والقواعد والمستودعات العسكرية، بما في ذلك مراكز الحراسة. ولعجزها عن منع ذلك، حاولت تركيا إقناع إدارة ترامب بأن تركيا قادرة على الاضطلاع بدور أكثر نشاطاً في كل من العراق وسوريا، لكن ترامب أكد مراراً وتكراراً أنه “غير مهتم بسوريا وغير راغب في تخصيص الوقت والموارد لها”، وهو الموقف الذي أثار قلق تركيا وإسرائيل، وبعبارةٍ أخرى، أمضت أميركا عدة أشهر في سوريا، في نوع من قلب الكرة، والتأكيد على أن التهديد المشترك الوحيد هو إيران.
باختصار، بدأت جهود إسرائيل للضغط على إدارة ترامب من خلال رفع يدها وكل يوم يمر تؤتي هذه الجهود ثمارها، وقد جرّت إسرائيل أميركا إلى الصراع التركي الإسرائيلي في سوريا.
ورغم أن مديح ترامب لتركيا والرئيس أردوغان بشأن القضية السوريّة لم يكن من نوع الدعم الذي تريده إسرائيل، فمن الضروري التحفّظ هنا وانتظار خطوات ملموسة على الأرض، لأننا لا نعرف ما يحدث خلف الأبواب المغلقة.
إذاً ماذا سيحدث بعد ذلك؟ هل يتصاعد هذا التوتر إلى صراع تركي إسرائيلي في سوريا؟ ويبدو إن احتمال حدوث ذلك ضئيل للغاية، على الأقل في الوقت الراهن.
في حين أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل عميقة بما يكفي لتشكيل العديد من السياسات في المنطقة، هناك أيضًا حقيقة مفادها أن تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي.
مرةً أخرى، العديد من البلدان، من أميركا إلى روسيا والمملكة العربية السعودية، لا تريد فترة جديدة من الصراع في سوريا، بل تريد الاستقرار الذي يسمح لها بمواصلة أجنداتها الخاصة.
علاوةً على ذلك، فإن تركيا وإسرائيل لديهما أهداف مشتركة في المنطقة، وخاصةً في سوريا، ولكن أساليبهما مختلفة. على سبيل المثال، إسرائيل لا تريد إيران في المنطقة، ولا تتردد في تحقيق ذلك بالوسائل العسكرية. إن تركيا لا تهتم بتصميم منطقة خالية من إيران، ولكنها تتحرك بهدف ملء الثغرات التي أصبحت واضحة في السنوات القليلة الماضية من خلال الحفاظ على علاقاتها مع إيران. في الواقع، كلاهما يهدف إلى إنشاء منطقة خالية من إيران!
ومن الممكن أن ننظر إلى التوتر المتزايد بين تركيا وإسرائيل في سوريا باعتباره امتداداً لعملية المساومة التي تشارك فيها الولايات المتحدة أيضاً. في الوقت الراهن، لا إسرائيل ولا تركيا تنويان الدخول في صراع ساخن، ومن المعروف بالفعل أن البلدين يحاولان إنشاء آلية في سوريا لتجنب ذلك، ولكن هل سترتفع حدة التوترات الحالية أكثر؟ بالطبع يمكن أن ترتفع.
هناك احتمال كبير أن يوقّع رئيس الإدارة المؤقتة في سوريا أحمد الشرع اتفاقية تعاون أمني مع تركيا. وفي هذا السياق، فإن رغبة تركيا في إنشاء قاعدة في ثلاثة مطارات عسكرية داخل سوريا سوف تجد أرضاً خصبة أيضاً.
إذاً، ضد من ستنشئ تركيا منظومة الدفاع الجوي في سوريا؟ أو دعنا نطرح السؤال بهذه الطريقة؛ من يريد ضرب سوريا من الجو؟ هناك إجابة واحدة فقط؛ إسرائيل.
هل إنشاء تركيا لأنظمة الدفاع الجوي وتواجد جنودها في القواعد العسكرية يردع إسرائيل؟ وربما تستطيع دول مثل المملكة العربية السعودية اتخاذ قراراتها من خلال النظر إلى القواعد التركية في سوريا، ولكن إسرائيل سوف ترغب في اختبار التحركات الرادعة لتركيا. بمعنى آخر، فإن إمكانية أن تقول إسرائيل: “هناك قواعد تركيّة وأنظمة دفاع جوي في سوريا، فلنبتعد عن المسرح السوري” تكاد تكون معدومة.
باختصار، إن نشر القوات التركية في سوريا، بما في ذلك مجالها الجوي، سيكون له تكاليف اقتصادية ودبلوماسية وأمنية، ومن الواضح أن تركيا وإسرائيل ستحاولان تجنب المواجهة أو الصراع الفعلي في سوريا، لكن هذا لا يعني أنهما لن تتخذا خطوات متبادلة.
وبطبيعة الحال، هناك أيضاً بعض التطورات المحتملة التي يمكن أن تخفف من هذا التوتر. على سبيل المثال، قرار سوريا ببدء عملية التطبيع مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم، والجيش السوري الجديد محدود بما يكفي لتوفير الأمن الداخلي فقط وعدم إثارة قلق إسرائيل…
إن الجهات الفاعلة الرئيسية في سوريا في الوقت الراهن هي أمريكا وروسيا وتركيا وإسرائيل وحلفاؤهم على الأرض. ويبدو أن تحرك كل ممثل سيؤدي إلى تشكيل عملية جديدة.