قامشلو/ دعاء يوسف ـ عرضت مونودراما “بارانويا” على خشبة مسرح مهرجان الشهيد يكتا هركول، تجربة فردية خاضتها فرقة الشهيد أوصمان، وكانت وحدة مسرحية معبرة في الكلمات والأداء والعمل المسرحي المتكامل، فهل برعت الفرقة المسرحية في إيصال الصورة لمتلقيها.
بارانويا عرض مسرحي قدمته فرقة الشهيد أوصمان على خشبة مسرح مركز محمد شيخو للثقافة والفن في قامشلو بعروض مهرجان الشهيد يكتا هركول بدورته السابعة، وقد جسد العرض الاضطرابات النفسية، التي تجعل للظل هلوسات تبحث في روح الشخص عن واقعه وخيالاته.
نص من جراح الشباب
وفي مونودراما “بارانويا” لعبت القصة على أوتار الوعي، وحاكت حياة موظف مسحوق في دوامة الإحباط، النص من تأليف عباس حايك، وإخراج محمد عمر، وتمثيل دلجان أوسو، فلم يكن العرض مجرد مسرحية لامست معاناة الفئة الشابة من المجتمع، بل كانت إبداعاً حمل العديد من الرسائل، فلم تعتمد المسرحية كسابقاتها من العمل الفني على ديكورات كثيرة مستهلكة، بل اختير التجرّد، وركز على عدة عناصر: “ممثل، وضوء خافت، وصندوقٌ كأنه ذاكرة الشاب التي يستذكر بها أحداث الماضي، وكرسي كشف، ووسادة”.
ولكن هذه المجسمات الموضوعة على المسرح مثل السرير ومجسمات الدمى، كانت تعبيرا عن أشخاص في مراحل حياة الشاب، والوسادة تعبير بمرض انفصام الشخصية، فقد استطاع فريق العمل على المسرحية، أن يبث الروح في المجسمات الجامدة، ككيانات تمثل مع الممثل.
وقد بدأ العرض بإضاءة خافته امتزجت بظلال شاب يعاني من انفصام في الشخصية، حاملاً ذاته المجزأة، فيذهب إلى طبيب نفسي بحثاً عن العلاج، وحملت المسرحية رسالة وهي زيارة الشباب الطبيب النفسي تعد عيباً في فكر المجتمعات، وتروي المشاهد كيف تحولت حياة هذا الشاب من طفل يحب اللعب إلى صراع داخلي مع شخصيات خلقها المجتمع.
فمن الأب الذي سعى لتحقيق أحلامه في ابنه، وحرم من طفولته من أجل الدراسة والسعي لمستقبل كان يريده الأب إلى معلم لا يهتم بإبداعات الأطفال، ولا يحتويهم بل يخلق في داخلهم كرهاً غريزياً للمدرسة والدراسة وكأنها واجب مرغمون عليه، ثم يدخل بيئة عمل غير قادر فيها على التعبير، فيما تتالى الأحداث كأنها ارتدادات صوت داخل رأس يعاني من الطنين الدائم، وتبقى جراح الذاكرة تنزف، وتبقى روح الشاب مكسرة إلى أجزاء. ليرمي الشاب القيود الاجتماعية والتنشئة الأسرية الصارمة التي جسدتها الدمى الموضوعة على الخشبة، ويرفض سيطرتها عليه ممزقاً الوسادة متمرداً على خوفه حاملاً فكرة التغيير، وكله يقين أن الحياة لن تقف في انتظاره إلى الأبد، رامياً أخر طائرة ورقية في الهواء.
وبالرغم من صعوبة تمثيل المونودراما لأنها تحتاج إلى ممثل بارع يتقن جميع الأدوار ويؤديها على الخشبة في آن واحد، استطاع ممثلو مسرحيات مهرجان الشهيد يكتا هركول إيصال مشاعرهم ولعب الدور بإتقان عبر معالمهم التي جسدت القصة.