يصادف السابع والعشرون من آذار، اليوم العالمي للمسرح، وهو مناسبة سنوية تحتفل بها الفرق المسرحية حول العالم عبر تقديم العروض المسرحية وإيصال رسائلهم الاجتماعية والثقافية إلى الجمهور. في حين يشهد المسرح العالمي تطورًا مستمرًا، فإن المسرح يعاني في إقليم كردستان من الإهمال والتهميش، ما أدى إلى تراجع مستواه رغم تاريخه العريق.
أصل اليوم العالمي للمسرح
يعود تاريخ اليوم العالمي للمسرح إلى عام 1948، عندما انعقد أول مؤتمر عالمي للمسرح في العاصمة التشيكية براغ، ثم في عام 1962، تم الإعلان رسميًا عن تخصيص يوم عالمي لهذا الفن، وذلك خلال مهرجان المسرح الدولي في باريس برعاية المعهد الدولي للمسرح (I.T.I). ومنذ ذلك الحين، يتم الاحتفال بهذه المناسبة في مختلف دول العالم، حيث تتم قراءة رسالة خاصة كل عام يكتبها أحد كبار المسرحيين العالميين، وكان أول من كتبها الكاتب الفرنسي الشهير “جان كوكتو”.
تاريخ المسرح ودوره في المجتمعات
يعدُّ المسرح واحدًا من أقدم وأهم الفنون التي عرفتها البشرية، إذ يعود تاريخه إلى العصور اليونانية والرومانية القديمة، حيث كان وسيلة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية، كما كان يؤدي دورًا دينيًا في بعض الفترات. وعلى مر العصور، تطورت أنماط المسرح لتشمل التراجيديا، والكوميديا، والدراما، والمسرح التجريبي، والمسرح التفاعلي، وغيرها من الأنواع التي تخدم أغراضًا متعددة مثل التوعية والإصلاح الاجتماعي والترفيه.
يتميز المسرح بتأثيره العميق على المجتمعات، فهو يساعد في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية، ويعزز النقد البنّاء، كما يسهم في تطوير الوعي الثقافي، والفني للأفراد. في بعض البلدان، يُستخدم المسرح وسيلة علاجية لمساعدة الأفراد على التعبير عن مشاعرهم والتعامل مع مشكلاتهم النفسية.
المسرح الكردي.. إرث عريق يواجه الإهمال
رغم أن المسرح في كردستان لا يمتلك تاريخًا طويلًا مقارنة بالمسرح الأوروبي، إلا أنه شهد تطورات مهمة في القرن العشرين، حيث استخدم في بداياته أداة للتوعية القومية والسياسية، ثم بدأ في معالجة القضايا الاجتماعية والثقافية مع مرور الزمن. وكان الشاعر الكردي الراحل “كوراني شاعير” من أوائل الذين استخدموا مصطلح “المسرح” في الأعمال الأدبية، وتبعه عدد من الكتاب والمخرجين الذين ساهموا في إثراء هذا الفن في كردستان.
في إقليم كردستان، ازدهرت الحركة المسرحية بعد عام 1992، فأُسِّست العديد من الفرق المسرحية، وتم افتتاح صالات عرض في المدن الكبرى مثل هولير، والسليمانية، ودهوك. لكن خلال السنوات الأخيرة، بدأ المسرح يشهد تراجعاً ملحوظاً بسبب ضعف الدعم الحكومي وعدم الاهتمام بتطوير هذا المجال.
المسرح في إقليم كردستان بين التحديات والتطلعات
يواجه المسرح في إقليم كردستان تحديات متعددة، أبرزها:
غياب الدعم الحكومي: لا تولي الجهات الرسمية اهتمامًا كافيًا بالمسرح، مما أدى إلى إغلاق العديد من الفرق المسرحية بسبب نقص التمويل.
ضعف البنية التحتية: تفتقر معظم القاعات المسرحية إلى التجهيزات الحديثة، ما يحدّ من إمكانية تقديم عروض ذات مستوى عالٍ.
غياب الجمهور: لتراجع مستوى العروض وقلة الفعاليات، بدأ الجمهور يفقد اهتمامه بالمسرح، ما زاد صعوبة استمرارية الفرق المسرحية.
التحديات الاقتصادية: يواجه الفنانون المسرحيون صعوبات مالية، حيث يضطر العديد منهم إلى ترك العمل المسرحي والبحث عن وظائف أخرى لتأمين معيشتهم.
مطالب المسرحيين في إقليم كردستان
في هذه المناسبة، يجدد الفنانون المسرحيون في إقليم كردستان مطالبهم بضرورة دعم المسرح بتوفير الميزانيات الكافية، وتأمين بنى تحتية ملائمة، وتنظيم مهرجانات محلية ودولية لتعزيز الحراك المسرحي في الإقليم. كما يدعون إلى الاهتمام بالمواهب الشابة وتوفير فرص التدريب والتعليم المسرحي، لضمان استمرارية هذا الفن في الأجيال القادمة.
في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بالمسرح ويؤكد على أهميته في بناء المجتمعات، يبقى المسرح في إقليم كردستان بحاجة إلى اهتمام أكبر من الجهات المعنية، كي يستعيد مكانته كمنبر ثقافي مهم يعكس هموم المجتمع وطموحاته. فهل ستستجيب الجهات الرسمية لهذه المطالب، أم سيبقى المسرح الكردي يواجه مصيره المجهول؟