ينتمي الكرد الفيليون إلى شعب اللور، ويقطنون في شريط حدودي يمتد من جلولاء وخانقين ومندلي في محافظة ديالى إلى بدرة وجصان وبعض النواحي في محافظة واسط.
والفيليون من الشيعة الجعفرية، وتختلف لهجتهم الكردية عن مثيلاتها في كردستان العراق “باشور كردستان”، وقد سكن بعضهم بغداد لمزاولة النشاط التجاري.
ورغم سقوط نظام البعث من أكثر من عقدين من الزمن في العراق إلا أن مأساة الكرد الفيليين في العراق ما تزال قائمة وحاضرة في أوجه شتى تتجلى في محاولات الصهر والإبادة والإنكار والحرمان.
تعرض الكرد الفيليون لشتى صنوف التعذيب والتهجير والصهر ولمجازر مروعة من النظام البائد في العراق، وكذلك لإسقاط الجنسية عنهم ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، واستخدام قسم منهم في حقول تجارب الأسلحة الكيميائية، واستخدامهم دروعًا بشرية في الخطوط الأمامية خلال الحرب مع إيران (1980-1988). ويقدر عددهم حسب إحصائيات غير رسمية بحوالي ثلاثة ملايين نسمة.
التغييب القسري والمصير المجهول ما زال سيد الموقف في قضية الفيليين، وبحسب تقارير وشهادات محلية لموقع “الحرة” فرغم صدور قوانين وقرارات لتعويض ذوي الضحايا، فإن “تعقيدات وعراقيل” وُضعت أمام المواطنين لإنهاء معاملاتهم الخاصة بالتعويضات. والطامة الكبرى أن عدد ضحايا الكرد الفيليين الذين غيبهم النظام البعثي في ثمانينات القرن الماضي وصل إلى 22 ألف شخص، ولم يُعثر على “رفات أحد” منهم إلى الآن، والكلام لناشطين ومهتمين وباحثين في هذا الشأن وبحسب الموقع ذاته.
شهادات وحقائق
في ظل الإهمال الحكومي واللامبالاة التي يشهدها ملف الفيليين قامت مجموعة من الناشطين الحقوقيين والمدنيين ومن بينهم الناشط المدني علي أكبر بتقديم شكوى لدى مجلس القضاء الأعلى العراقي، للضغط على الحكومة لتشكيل فرق ميدانية تبحث عن رفات المفقودين والمغيبين الفيليين.
ولم يكتفوا بذلك، بل قاموا برفع شكوى في محكمة لاهاي الدولية بهدف “كسب تأييد هذه الجهات العالمية” للضغط على السلطات العراقية، لإنصاف الكرد الفيليين، والعثور على المقابر الجماعية للضحايا، والتعامل بجدية مع هذا الملف.
وأشار علي أكبر لموقع “الحرة” إلى وجود “تقصير” من السلطات، وعدم جدية في البحث عن رفات الضحايا الذين قُتلوا وأُعدموا قبل عقود، قائلًا: “الحكومة لا تضغط على أعوان النظام البائد المحتجزين لديها للاعتراف بأماكن تواجد هؤلاء الضحايا”.
وأضاف، أن الحكومة لا تدعم قسم المقابر الجماعية، ولا مؤسسة الشهداء، وليست جادة في عملها، ما دفعهم للتحرك لحث المجتمع الدولي للضغط على السلطات العراقية لتوفير الإمكانات المناسبة.
ولفت علي أكبر إلى استمرار عدم تمكن كرد فيليين من الحصول على هويات عراقية إلى الآن، موضحًا، أن الذين هُجِّروا في السبعينات يصعب إصدار هويات لهم بسبب تعذر العثور على قيود لهم في سجل سنة 1957، لذلك فإن أغلبهم لا يزالون يعتبرون تابعين لإيران وأجانب في العراق.
أحد الشهود العيان من عشيرة “سورة ميري” ومن الذين عانوا وما يزالون من هذه المعاناة “داود سليمان” الذي يورد تفاصيل هامة “أقدمت السلطات إبان حكم البعث على ترحيل أبناء هذه العشيرة من مناطقها الأصلية في سبعينات القرن الماضي بزعم تبعيتها لإيران. وفي الحملة الأولى من التهجير، التي انطلقت مع انتهاء الثورة الكردية 1975، أبعدت السلطات سكان القرى الكرد الفيلية في محافظة ديالى، وكانت عشيرة “السوره ميري”، المنتشرة في 13 قرية فيلية، العشيرة الأولى التي هُجرت، بحسب سليمان. وصادرت السلطات أراضي وممتلكات أبناء العشيرة، وأبعدتهم إلى بقية المحافظات العراقية بواسطة سيارات الزيل العسكرية، ولم يبقَ منا أحد في حدود محافظتهم ديالى”.
وبدأت المرحلة “التعسفية” الثانية من معاناة الكرد الفيليين بإخراجهم من العراق إلى إيران، في حملة انطلقت عام 1979، مارس النظام خلالها أشكالًا مختلفة من “القمع” ضد الشعب الفيلي في تلك الفترة، فاحتجز نحو 17 ألفًا من شباب الفيليين و”أعدمهم في أماكن لم يتم العثور على رفاتهم إلى الآن”، على حد قوله.
أساليب عدة مورست ضد الفيليين ومنها كذلك استدعاؤهم عن طريق المخابرات، وبعدها يُعدمون ثم يُدفنون في مقبرة كبيرة في منطقة (محمد السكران) في ضواحي بغداد، أو تقتادهم السلطات إلى “نكرة سلمان”، ويدفنون في الصحراء.
رغم اعتراف الحكومة العراقية بالإبادة الجماعية ضد الفيليين إبان حكم البعث، واعتبار يوم الثاني من نيسان يوم الشهيد الفيلي إلا أن تدابير وإجراءات صارمة تعيد للفيليين اعتبارهم وحقوقهم لم تتم بعد مع أن بعض المحاولات تتم لتنسيق الجهود من أجل ملفات الشهداء والمفقودين وإعادة الأموال والممتلكات المصادرة من أصحابها الفيليين.
وبحسب داود أسعد ميرزا رئيس اتحاد الكرد الفيليين يمتلك الكرد الفيليون تراثًا ولغة خاصة تمنحهم “الخصوصية والتميّز”، عن بقية الشعوب العراقية لكن التهجير والإبادة أضاعت الكثير من هذا الإرث والثقافة، وأن معاناة الفيليين في العراق كانت بسبب مذهبهم الشيعي وقوميتهم الكردية، وهذا ما “فاقم اضطهادهم” خلال العقود الماضية.
وأشار إلى وجود آلاف الكرد الفيليين في منطقة “دولة آباد” الإيرانية، وهم لا يمتلكون أي هوية أو جنسية تثبت وجودهم، ويُسمَّون “بدون”. فالنظام السابق حرمهم من الهوية لأنه يعتبرهم من “التبعية الإيرانية”، في حين أن إيران لا تعطيهم الهوية لأنها لا تزال تعتبرهم “لاجئين على أراضيها”.
يذكر أنه في عام 2014، أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا أحكامًا بالسجن والإعدام على مسؤولين في عهد صدام حسين في قضايا قتل وتهجير وإسقاط الجنسية عن الكرد الفيليين.
المصدر: مقال مطول بعنوان “الأكراد الفيليون في العراق… رحلة البحث عن الهوية ورفات الضحايا”، لـ عبد الخالق سلطان.