رؤوف كاراكوجان
تتجه سوريا التي تخضع حالياً لحكم هيئة تحرير الشام نحو المجهول ومصيرها هو النسخة الإسلامية من نظام البعث، وسوف تحلُّ الطائفية محلّ عصبية الدولة القومية، وتُدرك القوى الدولية الواقع الجديد في سوريا، لكنها لا تزال تعتبرها حكومة شرعية وتبني علاقاتها معها على هذا الأساس، وهذا لأنهم يختارون مصالح الدولة على حساب مصلحة الشعب السوري، وتحاول القوى المعنيّة إبقاء سوريا في الوضع الذي يناسبها.
تحاول الحكومة المؤقتة في سوريا، باعتبارها القوة الوحيدة في السلطة، تحسين صورتها أمام القوى الخارجية وتفكر في كيفية “الحفاظ على السلطة بشكلٍ دائم” والتخلّص من إرثها الجهادي السيئ، ويبدو أنّه تمّ تأجيل المشكلات الأساسية المتعلقة بمستقبل سوريا، وتركوا مواضيع الاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، والأمن، والتعليم، والصحة، والهيكل الإداري الديمقراطي، وضمان الاختلافات الدينية والعرقية، والمساواة بين الرجل والمرأة، والدستور الشامل الجديد والعديد من القضايا الأساسية غيرها للنهاية، ففي الوقت الحالي، ليس لدى هيئة تحرير الشام مثل هذه الأجندة.
وتحاول تركيا إقامة نظام تابع لها في سوريا، إذ تتولى مهمة الاستشارة في بناء الدولة وتنظيم البيروقراطية وفي كل الأمور تقريباً، وحقيقة أن الأشخاص الذين درسوا في تركيا هم على المستوى الإداري في سوريا، وتعلم ملايين اللاجئين السوريين اللغة التركية، والتبادل الثقافي المنظم أعطى تركيا مزايا كبيرة، لقد أصبحت سوريا جغرافية مناسبة لتتحول إلى حديقةٍ تابعة للمنزل التركي.
أمّا إسرائيل فتريد سوريا مناسبة لسياساتها الأمنية وكل ما هو ضروري لأمنها، وهي تطبّق كل ما يلزم بما فيه الاحتلال، على الرغم من أن الدول الأوروبية والعربية لديها مطامع مختلفة في سوريا، إلا أنّ هناك أسباباً عديدة للقلق بشأن هيئة تحرير الشام وسوريا تحت مظلة هيئة تحرير الشام.
إنّ الممارسات الحالية التي تقوم بها هيئة تحرير الشام، وعمليات القتل المماثلة لداعش، تُشكّل خطراً على الشعب السوري وعلى المجتمع الدولي بأسره، فقتل العلويين، وسلب حرية المرأة، وفرض نظام إدارة مركزية لا يشمل الأقليات، وإشراك الجهاديين الأجانب في الإدارة، كلّها تُشكّل أرضية مناسبة لخلق المشاكل، الشعب السوري أمام طاولة مليئة بالتهديدات والمخاطر.
الكُرد هم الضمان الوحيد في سوريا، الكرد هم ضمان المستقبل بالنسبة للشعب السوري وللعالم الخارجي، فمن خلال منظورهم العلماني الديمقراطي، والفهم القائم على حرية المرأة الذي يحتضن جميع الاختلافات، وسنوات خبرتهم في الرئاسة المشتركة، أصبحت ملجأً لجميع المكونات، إنها (الإدارة الذاتية) تمثل النموذج المثالي لسوريا منذ سنوات عديدة، الكُرد هم الضامن للأقليات في سوريا، من علويين، علمانيين، دروز، آشوريين، سريان، شيشان والأقليات الدينية الأخرى، وخاصةً الإيزيديين. لديهم تجربة شهدت وتمثّل نموذجاً ديمقراطياً للإدارة، وفيما يتعلق بالاندماج مع العالم الخارجي، فقد أثبت الكرد أنفسهم في القتال ضد داعش وبذلوا تضحيات عظيمة، هم الوحيدون القادرون على توفير الأمن في مستقبل سوريا.
بقدر أهمية الكُرد في حماية الأطياف الاجتماعية المختلفة في سوريا من خلال نموذج الإدارة الذاتية لهم أيضاً دور رئيس في مستقبل الشرق الأوسط، إنّهم المحور الرئيس للسياسات الإقليمية، وبعيداً عن مستقبل سوريا، فإنّهم مهمون للشرق الأوسط أيضاً، لأنّهم تركوا وراءهم وضعهم السيئ خلال القرن الفائت، ودخلوا الآن في موقع مفيد للغاية فيما يتعلق بإعادة تصميم المنطقة، ونظراً لأنهم أصبحوا القوة الأكثر توحداً وتماسكاً واستقراراً في المنطقة من حيث السياسة والإدارة والأمن، أصبح للكُرد دور استراتيجي.
ومصير تركيا أيضاً مُرتبط بالكُرد، فعدم الاستقرار في المنطقة وزيادة عوامل الخطر وشدة الحروب والصراعات، أجبرت تركيا على إيجاد حل للقضية الكردية، وهو ما جعل عملية السلام إجبارية، والوضع مُماثل في سوريا والعراق وإيران، إنّ نموذج المجتمع الديمقراطي الذي يُمثّله الكرد، ومنظورهم للعالم وصيغة الحل وفقاً لمصالح الشعوب، جعل من الكرد شركاء مفيدين لكل من الجهات الدولية الفاعلة والقوى الإقليمية.
إنّ السياسات العدائية للدولة التركية وأطماعها في احتلال روج آفا بالكامل ومحاولاتها المعادية للكُرد تُشكّل تهديداً لاستقرار المنطقة، وستفشل عمليات السلام طالما لم يتم التغلّب على عقلية الدولة القومية الأحادية، وعلى الرغم من الممارسات السيئة للدولة التركية، إلّا أنّ الجميع ينتظر الآن ردّ إمرالي فيما يتعلق بعملية السلام.