بوزان كرعو
في الأيام الأخيرة، تم تسريب مسوّدة إعلان دستوري مؤقت منسوب إلى قيادة العمليات العسكرية لهيئة تحرير الشام، يهدف إلى رسم ملامح المرحلة الانتقالية وتحديد أُسس الدولة الجديدة، هذه الوثيقة، رغم طابعها المؤقت، تعكس توجهات القوى الفاعلة على الأرض، وتثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل سوريا وهويتها السياسية، فهل يحقق هذا الإعلان تطلّعات السوريين نحو دولة المواطنة الحقيقية، أم أنه يُعيد إنتاج إقصاء وتمييز جديد؟
بين المواطنة والتمييز الديني
لطالما كانت فكرة المواطنة المتساوية مطلبًا رئيسيًا في نضال الشعوب نحو الديمقراطية، لكن عندما نقرأ نص المسوّدة، نجد تناقضًا جوهريًا بين التأكيد على مبدأ المساواة وبين اشتراط أن يكون رئيس الدولة مُسلمًا، هذا الشرط يُقصي ملايين المواطنين السوريين من الأقليات الدينية، مثل الدروز والمسيحيين والإيزيديين، من حقهم في الترشح لهذا المنصب، مما يضع علامة استفهام حول مدى جدية التزام الوثيقة بالمواطنة الكاملة.
تجاهل حقوق الشعب الكردي: استمرار لسياسات التهميش
بالإضافة إلى ذلك، تغفل المسوّدة أي ذِكر لحقوق الشعب الكردي، رغم أنه يُشكّل ثاني أكبر قومية في البلاد، لم تتناول الوثيقة إلغاء المشاريع العنصرية والشوفينية التي طُبِقت في المناطق الكرديّة خلال العقود الماضية، ولم تضع أي ضمانات لتحقيق العدالة لهم، فهل يمكن الحديث عن مستقبل ديمقراطي بينما تستمر سياسات الإقصاء والتهميش بحق مكونات رئيسية من الشعب السوري؟
السلطة بيد مَنْ؟ عسكرة التشريع وخطر الاستبداد الجديد
من الإشكاليات الأخرى التي تُثير القلق، منح السلطة التشريعية لمجلس تشريع مؤقت يضم ممثلين عن المجموعات العسكرية، قد يُنظر إلى ذلك على أنه خطوة ضرورية في مرحلة ما بعد النزاع، لكن وضع القرار السياسي والتشريعي بيد القوى العسكرية قد يؤدي إلى عسكرة الدولة، وتحويل المرحلة الانتقالية إلى حالة دائمة من الحكم العسكري غير الخاضع للمساءلة الشعبية.
القضاء والمحاكم الاستثنائية: عدالة أم انتقام؟
تنصُّ المسوّدة على تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة رموز النظام السابق والمتهمين بالإرهاب، وهي خطوة قد تبدو ضرورية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم، لكنها تُثير تساؤلات حول ضمانات المحاكمة العادلة، هل ستكون هذه المحاكم مستقلة أم أنها ستتحول إلى أداة انتقام سياسي؟
إعلان الطوارئ: ضرورة أمنية أم قيد على الحريات؟
إعلان حالة الطوارئ لمدة سنة، مع إمكانية التمديد، قد يبدو إجراءً أمنيًا ضروريًا، لكنه يفتح الباب أمام تجاوزات خطيرة للحريات العامة، فالتجارب السابقة في المنطقة أظهرت إن الطوارئ غالبًا ما تتحول إلى ذريعة لفرض قيود دائمة على الحقوق الأساسية.
وأخيراً؛ هل هذه الوثيقة تُمثِّل مستقبل سوريا؟
بين الطموح لإقامة دولة ديمقراطية مدنيّة والتحديات التي تبرز في نصوص المسوّدة، يبدو أن الإعلان الدستوري المؤقت لا يزال يحمل في طياته الكثير من التساؤلات والمخاوف، فهل ستكون هذه الوثيقة مجرد خطوة أولى نحو دستور أكثر شمولية وعدالة، أم إنها تعكس إرادة قوى محددة تسعى لإعادة تشكيل السلطة وفق أسس إقصائية جديدة؟