رفيق إبراهيم
بعد سقوط النظام السوري في الثامن من كانون الأول من العام 2024، بدأ الخطاب التحريضي على وسائل التواصل الافتراضي بمختلف أنواعها، ضد الكُرد بشكلٍ عام، والكُرد في شمال وشرق سوريا بشكلٍ خاص، وسمعت هنا وهناك دعوات صريحة بقتل وإبادة الكُرد، وتم نشر الكثير من المقاطع والكتابات التي تُهدد الكرد، وتدعو لتصفيتهم علناً.
والتهديد وخطاب الكراهية بحقِّ الكرد، يبدو إنه خطاب مدروس ومخطط له، ويقوده أشخاص لهم تأثيرهم على منصات التواصل الافتراضي، وقد يكون خلف هؤلاء حكومات تدعمهم، وهم يستهدفون الشعب الكردي برمته، ويعملون على تشويه صورة الكرد الحقيقية، ووجودهم التاريخي على أرضهم، ويحاولون إظهار الكرد بمظهر الانفصالي والكافر، وتحت هذه الشعارات الكاذبة يحاولون إثارة الفتنة بين شعوب المنطقة.
وعلى الرغم من أن الكرد معروفون بتسامحهم وسعيهم للسلام مع الشعوب الأخرى، إلا أن هناك من يحاول وضع العصي في عجلات تكاتف شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، لتحقيق غايات دول بعينها كتركيا مثلاً، فهي تحرض دائماً على الفتنة والقتل، وتشغل المرتزقة لخلط الأوراق وعدم التوصل للحل المستدام في سوريا، وخطاب الكراهية ضد الكرد يصب في هذا الجانب، فماذا يعني الإصرار على وصف الكرد بالانفصاليين، رغم إن التصريحات والمواقف الكردية لم تدل يوماً على تقسيم سوريا.
وعلى العكس تماماً، الكرد دائماً كانوا دُعاة سلام، ويؤكدون دائماً على وحدة سوريا والدفاع عنها، والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، خير دليل على التكاتف بين الشعوب، فالكل يشارك في صنع القرار، ويتصدّر المشهد القيادي فيها، العربي والسرياني والآشوري والأرمني، يشارك الكردي في وضعِ الخطط والبرامج ويقود المؤسسات، منذ الإعلان عن الإدارة الذاتية، وألم شعوب المنطقة واحد، وفرحهم واحد، ومصيرهم واحد، وكل من يتحدث بغير ذلك، يحاول الاصطياد في المياه العكِرة.
اليوم الكردي بحاجةٍ للعربي والاثنين معاً يحتاجون إلى السرياني والأرمني والإيزيدي، وهذا ما تعيه شعوب الإقليم تماماً، فلا نجاح للعربي من دون مشاركة الكردي والسرياني وبقية الشعوب في هذا النجاح، والمشهد في مناطق الإدارة الذاتية، واضح لا لبس فيه، فالكلِّ مسؤولون والكل يُشاركون بالرأي، والكل عليهم واجبات، ويتحملون المسؤولية أمام الشعب، وليس هناك أي مشهد ضبابي يدعو هؤلاء الحثالة لاتهام الكُرد بالانفصالية أو بالكفرة أو غيرها من صفات، يحاولون إلصاقها جزافاً بالكرد.
بالتوازي مع التحريض وخطاب الكراهية ضد الكُرد، تدفع تركيا بمرتزقتها للهجوم على مناطق شمال وشرق سوريا، منذ 30 تشرين الثاني من العام المنصرم، ولا زالت تلك الهجمات مُستمرة من دون توقف، ما أدى إلى تهجير عشرات الآلاف من الكُرد، وخاصةً المُهجرين قسراً من عفرين المحتلة، الذين اختاروا الشهباء لتكون محل سكنهم على أمل العودة إلى مدينتهم المحتلة، وأيضاً هذه الهجمات أدت إلى استشهاد العشرات من المدنيين، وكل ما يحدث اليوم يزيد من مخاوف الشعب الكُردي وشعوب المنطقة، من ارتكاب جرائم إبادة جماعية أخرى بحقهم.
ومن هنا فإن المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وجميع المؤسسات المعنية، عليها أن تتحمّل مسؤولياتها الإنسانية والحقوقية، تجاه هذا العدوان السافِر، وهذا التدخّل الغير مقبول بالشأن السوري، وخاصةً إنها تزيد من هجماتها على سكان المنطقة الآمنين في بيوتهم، وأيضاً على البنى التحتية التي ترتبط بخدمة شعوب المنطقة، وعلى المجتمع الدولي أن يعلم بأن الهدف التركي من كل ما يحدث هو التوسع والاحتلال وتحقيق أحلام العثمانية البائدة، كما أن عليها حماية المدنيين، وتطبيق بنود القانون الدولي في هذا الجانب، ومحاسبة تركيا على أفعالها ضد شعوب شمال وشرق سوريا.
يعيش الكرد وشعوب المنطقة حالةً من عدم الاستقرار والخوف، نتيجة الهجمات التركية المستمرة، وأيضاً الخطاب التحريضي المخطط له، ما قد يُمهد لارتكاب جرائم وانتهاكات ومجازر جديدة بحق الشعب الكردي، وأيضاً الشعوب الأخرى في المنطقة، ومن هنا لا بد من العمل من أجل إيقاف التحريض وتلفيق التهم للشعب الكردي المسالم، لأن أي عمل في هذا الجانب لا يخدم سوى أعداء الشعب الكردي، وكافة شعوب شمال وشرق سوريا.