د. علي أبو الخير
ما بعد سقوط بشار الأسد؛ شهدت القضية الكرديّة تفاعلات واسعة على الساحتين السوريّة والتركيّة، وعاد اسم المفكر عبد الله أوجلان في الظهور والأخذ برأيه، وهو خلف الأسوار كمُنقِذ لسوريا والمنطقة كلها من أتونِ حرب جديدة؛ لا تقل بشاعة عن العدوان الصهيوني على دول المنطقة؛ وبدأت بالسماح بزيارته.
تركيا والكُرد في رؤية المفكر عبد الله أوجلان
تجري هذه الأيام مفاوضات بين الحكومة التركيّة برئاسة رجب طيب أردوغان، وبين الكُرد في الداخل التركي، وهو ما يشير -ظاهرياً على الأقل- إلى مساعي لحل القضية الكردية في الداخل والخارج التركيين، هذا إذا صدقت النوايا، بعد سنوات من الصراع المعقد، الذي تتشابك فيها المصالح وتتعارض في الوقت نفسه، وعلى الرغم من البدء الفعلي للمفاوضات المتعددة الأوجه بين أطراف المعادلة، إلا أن المجموعات المرتزقة الموالية لتركيا لا تزال تشن هجمات على مواقع في شمال وشرق سوريا وتتصدى لها قوات سوريا الديمقراطية ، كان آخرها المعارك التي وقعت في محيط سد تشرين، وما تزال، والتي أدت إلى وارتقاء العديد من المواطنين إلى الشهادة وجرح آخرين وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وكان لجوء النظام التركي للمفاوضات نتيجة ضعف موقفه؛ ويتفق الباحث في دراسات الشرق الأوسط سيفات دارجين، مع الرأي القائل بأن تركيا أجبرت على فتح جبهة للحوار مع الكُرد بسبب المتغيرات الإقليمية، لافتاً حسب (موقع رصيف 22) ومن موقع (جامعة نورويتش الأمريكية)، إلى أن أنقرة تخشى التغيرات المحتملة، التي قد تتسبب بتغيير الحدود والجغرافيا في المنطقة، وإن التحرك التركي بدأ حتى من قبل سقوط نظام الأسد، حين صافح رئيس حزب الحركة القومية، (دولت بهجلي)، المعروف بعدائه للكُرد، لتونجر باكيرهاني، الرئيس المشترك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب DEM Parti وسازاي تملي، عضو البرلمان عن هذا الحزب، وأعضاء حزب المساواة والديمقراطية الكردي في أولى جلسات البرلمان التركي تشرين الأول 2024، مشيراً إلى أن بهجلي بعد فترة وجيزة من المصافحة، اقترح دعوة القائد عبد الله أوجلان، الذي كان يُطالب بإعدامه في السابق، لإلقاء كلمة في البرلمان التركي في محاولة لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود.
وحول هذه المفاوضات تقول المتحدثة باسم المبادرة السوريّة للمطالبة بالإفراج عن القائد عبد الله أوجلان، آمنة خضرو في موقع رصيف 22 يوم 27 كانون الثاني 2025إن اللقاءات الأخيرة التي نظمها حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب” الكردي، تضمنت أطروحات لحل مركزي لقضايا الكرد في المنطقة، ولا يقتصر الحل الذي تدور حوله المفاوضات على الكرد في الداخل التركي فقط؛ ولكنها تمتد إلى كُرد سوريا وتؤثر في كرد العراق وإيران أيضاً؛ لأن الأمر يخص كافة الشعب الكردي؛ وإن اللقاء الذي حضره ساسة كُرد مع القائد عبد الله أوجلان في محبسه بجزيرة إمرالي، تكرر مرتين، وإنه من المتوقع أن تشتمل المناقشات حال نجاحها على الإفراج عن القائد الكردي المُعتقل منذ 25 عاماً.
ولقد رحّب المفكر عبد الله أوجلان بهذا التقارب، لاسيما أنه يتوافق مع رؤاه وأطروحاته السابقة، التي دعا فيها لإحلال السلام، وحفظ حقوق الشعوب الاجتماعية في المنطقة بما فيهم الكُرد، دون تفرقة على أسس عرقية أو دينية أو سياسية، لأنه يرى أن الحل يجب أن يكون اجتماعياً وشاملاً؛ وهو مشروعه المشهور “الأمة الديمقراطية”.
والقائد عبد الله أوجلان لا يمانع في إلقاء الكرد للسلاح، بشرط أخذ الاشتراطات اللازمة بالاتفاقيات، لأن التجارب السابقة مع تركيا لا تشير إلى أن حكومة أردوغان ستلتزم بتعهداتها دون أخذ الضمانات الكافية، ولو كان القائد أوجلان يثق في الحكومة التركية لما فضّل السجن كخيار لمدة تزيد عن 25 عاماً.
دور قسد في وحدة سوريا
أظهرت قوات سوريا الديمقراطية انفتاحاً كبيرا أثبتت أنها متمسكة بالحفاظ على وحدة الأراضي السوريّة ومكافحة كل ما يهدد المصالح السوريّة؛ إذ أن ذلك لا يعد هدفاً في حدِّ ذاته لسوريا الديمقراطية، بل الهدف هو جعل سوريا ديمقراطية لا مركزية تأخذ فيها كل الطوائف والشعوب حقوقها المشروعة.
كما إن “قسد” منذ تأسيسها أكدت مراراً بأنها ستكون جزءاً من جيش سوريا المستقبلي، وتتطلع لنظام حكم لا مركزي تعددي، وفتح باب التفاوض من جديد مع القائد عبد الله أوجلان، وحل القضية الكردية بالسبل السياسية والدبلوماسية عبر الحوار وإن التفاوض في الداخل التركي، سيؤثر إيجاباً على السياسات التركية ومواقفها حيال الشمال السوري، والشعب الكردي يحتاج للتأكد من وجود رغبة جادة لدى أردوغان بحل القضية الكردية، وإنها ليست مجرد مناورة، خاصةً وإن هذه ليست المباحثات الأولى التي تجرى بين الطرفين ولم تخرج بحلٍّ حقيقي، ومنها ما حدث بين عامَي 2013 و 2015 والتي باءت بالفشل، لأن أردوغان دائماً يتنصل من وعوده.
في المقابل رفض وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، المقترحات الكرديّة الرامية للحفاظ على كتلة “قسد” خاصةً داخل القوات المسلحة السوريّة، واستدرك قائلاً إن “باب التفاوض لا يزال مفتوحاً، إلا أنهم إذا اضطروا للقوة، سيكونون جاهزين”. وقال إنه التقى بقادة قوات سوريا الديمقراطية، ورفض فكرة دمجهم في وزارة الدفاع مثل مجموعات المعارضة السابقة الأخرى.
والذي يثير الدهشة هو وجود مجموعات وجنود غير سوريين ولكنهم يندمجون حالياً بالجيش السوري؛ وهو أمر مريب، لأن قسد هي الأولى بالدفاع عن وحدة الأرض السوريّة، وهي التي تمكنت من الانتصار على داعش الإرهابي، وعلينا الانتظار، والنصر في النهاية لفكر عبد الله أوجلان وقوات سوريا الديمقراطية…. وإن غداً لناظره قريب.