د. محمد العرب
في شمال وشرق سوريا، يقبع 58000 إنسان في مخيمات مغلقة، بينهم نساء وأطفال ومقاتلين سابقين، ينتمون إلى أكثر من 64 جنسية وهؤلاء ليسوا مجرد نازحين بل هم عائلات تنظيم داعش الإرهابي، أولئك الذين حملوا إرث الخلافة المنهارة، ويعيشون اليوم في فراغ قانوني وأخلاقي يُهدد العالم بأسره فهل تتحمّل الدول مسؤولية مواطنيها؟ أم أن العالم يُفضل ترك هذه القنبلة الموقوتة تنفجر في المستقبل القريب؟
الجنرال مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، كمؤسسة عسكرية وإدارة ذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا تحاول التعامل مع هذا الملف المُعقد بكثير من المسؤولية، فبينما يشدد على ضرورة إيجاد حلول دوليّة عادلة، يبقى الواقع أشد تعقيداً للطرفين، للأمانة هذا الملف يديره رغم خطورته كرد سوريا نيابةً عن العالم رغم إنه مسؤولية الجميع ورغم ضعف الإمكانيات، تخيّل إنك يجب أن توفر طعام وعلاج وسكن لـ 58000 إنسان في أوقاتِ الحرب، بعض الدول اختارت استعادة مواطنيها، ولكن الكثير من الدول ترفض استقبالهم، مما يجعل المخيمات بمثابة حاضنة جديدة للإرهاب، حيث تنتشر أفكار التطرف كالنار في الهشيم، فالأطفال الذين وُلدوا في هذا الظلام، والنساء اللواتي لا يعرفن إلا فكر داعش، والمقاتلون الذين ما زالوا يحلمون بالعودة إلى ساحة المعركة، كلهم يشكلون جيشاً غير مرئي قد يتحرك في أي لحظة.
الملف القانوني لهذا الإرث الشائك يقف عند مفترق طرق، هل يجب محاكمتهم دولياً في أماكن احتجازهم، أم إعادتهم إلى أوطانهم لتحمّل مسؤوليتهم؟ بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، استعادت أعداداً محدودة، بينما دول أخرى، كالمملكة المتحدة، جردت مواطنيها الدواعش من جنسياتهم لتجنب مسؤولية إعادتهم، هذا التناقض في التعامل يعكس حقيقة واحدة، لا أحد يريد أن يتحمل عبء هذا الملف، لكنه في الوقت ذاته لا يمكن أن يظل بلا حل.
لكن ماذا عن المستقبل؟ في عالم يتغير بسرعة، حيث تتحول الصراعات وتعيد تشكيل التحالفات، يظل ملف داعش جرحاً مفتوحاً لم يلتئم بعد، هذه العائلات التي تعيش الآن في عزلة، قد تكون نواة لجيل جديد من المتطرفين، أكثر عنفاً، وأكثر نقمة على العالم، المخيمات قد تصبح معامل لصناعة الكراهية، حيث ينشأ الأطفال دون هوية واضحة، بلا تعليم حقيقي، وبلا أفق سوى الانتقام.
ماذا لو نجح مجموعة منهم بالفرار؟ ماذا لو تمكنوا من تنظيم أنفسهم، كما فعل قادتهم السابقين؟ ماذا لو تحولت هذه المخيمات إلى خلايا نائمة تنتظر اللحظة المناسبة؟ الإرهاب لا يحتاج إلى جيوش ضخمة، يكفي أن تكون هناك فكرة، وشخص مستعد لتنفيذها، في عصر التكنولوجيا والتواصل الفوري، قد يولد (داعش جديد) ليس كتنظيم تقليدي، بل كشبكة لا مركزية، حيث لا حدود ولا قيود، وحيث الفوضى الرقمية تمنح الإرهابيين أدوات جديدة أكثر خطورة مما كان متاحًا في 2014.
هل نحن مستعدون لترك هذه القنبلة تنفجر مجدداً؟ أم أننا سنبحث عن حل قبل أن يفوت الأوان؟