رفيق إبراهيم
الهجمات التركيّة على المنطقة باتت من الأمور اليومية التي نشاهدها، لكن ما يشدنا ويجعلنا نتحدث عنه طويلاً، ما يحدث في سد تشرين منذ شهر ونيف، وتقاطر شعوب شمال وشرق سوريا وتهافتها على الوصول إلى السد والمناوبة لحمايته، التي أذهلت العالم، فرغم وجود الهجمات اليوميّة واستشهاد المدنيين وإصابتهم بشكلٍ يومي، لا زالت شعوب المنطقة مُصِرّة على حماية سد المقاومة.
والمقاومة التاريخية التي يشهدها السد، من قبل أبطال قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة، وكافة المدافعين عنه، أثبتت بأن الشعوب التي التحمت مع مقاتليها لا يمكن كسر إرادتها، ولا يمكن الوقوف أمام مقاومتهم، لأنهم أصحاب حق، وصاحب الحق إما أن يستشهد أو أن ينتصر، ولا خيار ثالث آخر، ولهذا فالمقاربة على أرض المعركة بين المدافعين والمهاجمين، رغم الدعم التركي اللامتناهي لهم، وبأحدث الأسلحة الثقيلة والمتطورة، والطائرات المُسيّرة والحربية أيضاً، مقاربة خاطئة، ويقول لنا التاريخ في ملاحمه، إن الشعوب الحرة المطالبة بحقوقها لا يمكن هزيمتها.
إن ما يحدث على سد تشرين، صورة من صور تشبث الشعوب بأرضها، وصورة من صور المقاومة في وجه آلة الحرب التركية ومرتزقتها، فرغم وجود شهداء وجرحى كل يوم، إلا أن شعوب المنطقة مُصِرّة على المضي قُدماً لهزيمة الطغاة ومرتزقتهم، وهي تعي تماماً ما هو الهدف التركي من وراء كل هذه الهجمات على المدنيين والبنى التحتية، ولهذا قررت إما الشهادة أو النصر، وكلهم إيمان بأن حقهم لن يذهب سدىً، لطالما آمنوا بأن النصر آتٍ لا محالة.
تركيا تستهدف المدنيين والصحفيين والطواقم الطبية يومياً، عن عمد وترصد، بغية إثارة الرعب والفزع وإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين، وهي تعلم تماماً بإن القوانين الدولية تُدين هذا العمل الإجرامي، وما تقوم به تركيا من هجمات على سد تشرين يعتبر خرقاً واضحاً وفاضحاً للقانون الدولي، وجريمة بحق الإنسانية، يجب إيقافها وبأسرع وقتٍ ممكن، وخاصةً سوريا اليوم تحتاج إلى نبذ الحروب والالتفات إلى إيجاد الحلول التوافقية السلمية. ورغم كل ما يحدث، فالعالم صامت، لا يرى، ولا يسمع، ولا يُحرك ساكناً، وكأن شعوب شمال وشرق سوريا منسلخة عن خارطة سوريا، ودمائها مستباحة وتقدّم كقرابين لتحقيق المصالح والأجندات على حسابها، وما يحزُ بالنفس إن الطرف الآخر في معادلة الهجمات على مناطق الإقليم، هم سوريون أيضاً وليس لهم أيّة أجندات سوى تقديم خدمات مجانية لسيدهم أردوغان، وعليهم إدراك ذلك قبل فوات الأوان، حيث يستخدمهم كرأس حربة لتحقيق أطماعه التوسعية في المنطقة، ونحن واثقون تماماً عندما ينتهي عملهم لن يتردد أردوغان في التخلص منهم، وتاريخ تركيا مع شعوب المنطقة يؤكد ذلك.
ومن أجل إيقاف سيلان الدم السوري، على السوريين أولاً، أن يكونوا أصحاب قرار وألا يكونوا مطيّة لتحقيق غايات وأهداف الآخرين، وألا يستكينوا للإملاءات التركيّة في مهاجمة مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وشعوبها التي ضحت بآلاف الشهداء في سبيل دحر داعش والقضاء على الإرهاب، الذي كان يوماً ما يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السوريّة، وبفضل تضحيات أبناء المنطقة تم تحريرها، وأدارت نفسها بكل اقتدار، وحققت الكثير من المكاسب، بعكس ما حدث في مناطق سوريا الأخرى.
أما ثانياً، فعلى المجتمع الدولي أن يُطبق الأقوال على الأفعال، بخصوص إنهاء الصراعات والحروب على مستوى سوريا ككل، وبشكلٍ خاص الهجمات التركيّة اليومية على شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، لخلق الأرضيّة المناسبة والتوصّل للحلول التي تُرضي جميع السوريين، فكيف يمكننا أن نفهم تواجد قواعد أمريكا والتحالف الدولي، وفي ذات الحين هناك هجمات تركيّة على مناطق تواجدها؟
وبماذا نُفسر تصريحات المسؤولين الأمريكيين والفرنسيين والألمان وغيرهم، بخصوص إيقاف الهجمات، وعملياً على أرض الواقع، لا يوجد شيء اسمه وقف إطلاق النار؟ وخاصةً أن كل ما يحدث انتهاك سافِر للقوانين الدولية، وجرائم حرب ضد الإنسانية، إذا لماذا لا تنتهي هذه المهزلة، ومتى ما تم تطبيق الأقوال على الأفعال، عندئذ نُقِرُّ ونعترف بمصداقية المجتمع الدولي في حل الأزمة السوريّة؛ لأن بوابة الحلول في سوريا تبدأ بإيقاف جميع الأعمال العدائية فيها.