رودين جاويش
عام 1918 بعد جلاء العثمانيين عن سوريا تشكلت دولة مستقلة للسوريين. منذ ذاك العام وحتى الآن هناك شكل ما للدولة السوريّة، هذا الشكل من الدولة السوريّة كان طاغي المركزية طاغي الاستبعاد السياسي والاجتماعي والثقافي للكُرد، عاش الكُرد طوال قرن كامل نوع من النكران الدستوري والتهميش السياسي والاقتصادي والقسر الأيديولوجي، لم يكن معترفاً بهم، عاشوا مأساةً كبيرةً.
في يومنا هذا، هناك تأسيس جديد للدولة السوريّة يُريد الكرد في سوريا حسب كل أدبياتهم السياسية أن ينالوا حقوقهم الطبيعية على صعيدين في سوريا، أولاً الحقوق الطبيعية الأولية باعتبارهم مواطنين يرغبون أن يكون لديهم القدرة للنفاذ إلى كل مؤسسات الحكم ومؤسسات السلطة والسيادة في سوريا، أن يتمتعوا بشخصيتهم السياسية والثقافية ضمن الإطار السوري.
المسألة الأخرى هو أن الكُرد في سوريا يُشكلون إثنية تكوينية في المشهد السوري، هذه الإثنية التكوينية تحتاج الى أن يكون لها رأي في هذه الدولة السوريّة، فالدولة المركزية في سوريا هي التي أنتجت الاستبداد والقسر، وإن اللامركزية في أشكالها المختلفة في ظلال الدولة السوريّة ووحدة التراب السوري والعلم السوري يمكن أن تفكِّك الاستبداد التاريخي الموجود.
الآن هناك سلطة أمر واقع في دمشق غير مُنتخبة من الشعب وتحذو حذو معظم الحكومات السورية التي تعاقبت على الحكم، وبدعم إقليمي واضح تركيا في طليعتهم لا ترضى بهذه المعادلة البسيطة، وتكرر أن هذا يمس أمنها القومي.
الرؤية التركية تقول إنه يجب أن يكون للكرد دور أساسي ببناء سوريا الجديدة، ولكن حسب مزاجها السياسي. وعلى هذا الأساس تفرض ممثلين على الكرد وفق مصالحها..
تقول إن قسد التي حمت الكرد وباقي الشعوب الأخرى في شمال وشرق سوريا هي منظمة إرهابية ولا تمثلهم. وعلى هذا الأساس ترفض رفضاً قاطعاً أي دور لقسد التي حاربت تنظيماً إرهابيّاً بدعم من التحالف الدولي في بناء سوريا الجديدة..
هنا يُطرح السؤال هل قسد تُمثّل الكُرد كما باقي الشعوب الأخرى في شمال وشرق سوريا؟
قوات سوريا الديمقراطية ضحت بـــ 20 ألف من مقاتليها في مواجهة الإرهابيين الذين دخلوا من تركيا وكانوا برعاية المخابرات التركيّة، قوات سوريا الديمقراطية حاربت الإرهاب العالمي المُتمثّل بداعش وبدعمٍ من التحالف الدولي.
قوات سوريا الديمقراطية مزيج من مقاتلين من مختلف مكونات شرق الفرات بمعنى أنَّها قوات سوريّة وتمثل سوريا مُصغرة من حيث المزيج العرقي والطائفي السوري، هذه القوات تمثّل الصورة الناصِعة للشعوب السوريّة.
وإذا أردنا أن نُفكك معنى الإرهاب على الأرض فهناك الجيش التركي الذي دخل مناطق في سوريا وأفرغها من سكانها بالكامل، في عفرين وسري كانيه وتل أبيض/ كري سبي وغيرها من المناطق والشهباء جرت عمليات قتل للكُرد على الهوية من قِبل الجيش التركي ومرتزقته.
هناك دلالات تاريخيّة في الذاكرة السياسية الكرديّة تُثبِت كذب المزاعم التركيّة
كانت تركيا تقول إن حزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لا يمثلون الكرد في العراق. منذ 20 سنة تجري الانتخابات في العراق وكلا الحزبين ينالون الأغلبية الساحقة من الأصوات الكردية.
كانت تركيا تقول إن حزب الشعوب الديمقراطي HDP لا يمثل الكرد في تركيا لأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني، على مدى 30 عاماً وفي كل الانتخابات التي جرت في تركيا ورغم كل الضغط والتزوير التركي في صناديق الاقتراع كان الحزب يحظى بالأغلبية الساحقة من أصوات الكُرد في تركيا.
وفي سوريا إذا جرت انتخابات أو استفتاء شعبي، قسد ستحظى بالأغلبية العظمى من أصوات الكرد وحتى في عفرين بعد ست سنوات من الاحتلال، فلتقم حكومة دمشق باستفتاء وسنرى أن الكُرد سيختارون قسد مفضلة على فصائلها التي ارتكبت بحقهم جرائم فظيعة بحسب التقارير والمنظمات الحقوقية والإنسانية. وأخــــيراً وحدات حماية الشعب وقسد هي شمّاعة تركيا -في محاولاتها البائسة- للقضاء على الكرد في سوريا.