دجوار أحمد آغا
بروح مقاومة قلعة الصمود تستمر شعوب شمال وشرق سوريا بنضالها، فمثلما دحرت تلك الشعوب مرتزقة داعش وحررت كوباني، سيهزمون اليوم دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، مؤرخين تاريخ النصر مرة أخرى.
لم تحظَ مدينة في القرن الحالي بالاهتمام والمتابعة في الأخبار بمختلف دول العالم، مثلما حظيت به “كوباني” تلك المدينة الصغيرة في سهل سروج والمستندة إلى هضبة مشتى نور. على سبيل المزاح، كان هناك الكثير من التعليقات الطريفة حول كوباني نذكر إحداها والتي تقول: إن “سوريا تقع جنوب كوباني” في إشارة إلى شهرة كوباني التي فاقت شهرة سوريا. كوباني المدينة الكردية، التي يقطنها اتحاد عشائر البرازية، والتي جاء اسمها من هذا الاتحاد وليس كما يُقال بأن اسمها جاء من شركة ألمانية لبناء محطة قطار الشرق السريع، ليقوم الأتراك فيما بعد وبسبب ورود القبائل العربية إلى نبع مياه في المنطقة بتسميتها “عرب بينار”. وفي ظل نظام البعث الشوفوني العنصري الذي قام بتغيير أسماء الآلاف من المدن والقرى والبلدات الكردية، تم تسمية المدينة باسم “عين العرب”. لكنها ستبقى كوباني التي أضحت رمزاً من رموز الإنسانية جمعاء في مواجهة الظلام، وأصبح لها يوم عالمي للتضامن معها، وهو الأول من تشرين الثاني من كل عام.
الزحف الأسود نحو كوباني
بدأت جحافل الطاعون الأسود “مرتزقة داعش” بالزحف والهجوم على أرياف كوباني، وفي 13 أيلول 2014، وبسبب عدم وجود إمكانية لدى المقاومين لوقف تقدم هذه الجحافل، استطاع المهاجمون وخلال فترة قصيرة، احتلال 350 قرية وبلدة في ريف كوباني. المقاومون لم يكن لديهم سوى الأسلحة الفردية وبضعة قنابل وقاذفات الأر، بي، جي، بينما هاجمت مرتزقة “داعش” بمختلف الأسلحة الثقيلة والتي استولت عليها من ثكنات الجيش السوري، مثل الدبابات، والمدفعية الثقيلة والهاون وراجمات الصواريخ، والدوشكا بالإضافة إلى المسيرات. الزحف تحت الرايات السوداء، تقدّم سريعاً نحو كوباني بدعم مباشر من دولة الاحتلال التركي، إلا إن إرادة أبناء كوباني وبمساندة الشعوب الكردستانية كانت قوية، وكان خيارها الأول والأخير هو المقاومة وكسر شوكة داعش.
المقاومة في البدايات
كانت وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ بالإضافة إلى بضعة مقاتلين من قوات الكريلا، الموجودين في كوباني في بداية الهجوم من جانب مرتزقة داعش، هذا الهجوم الذي بدأ بشكل مباغت ومفاجئ للجميع خاصة بعد أن استولى داعش على مدينة الموصل العراقية، والتوجه صوب شنكال وارتكاب المجازر الوحشية بحق الإيزيديين أمام صمت العالم في الثالث من آب 2014. ما شجع داعش وقام بمهاجمة كوباني. كوباني التي انطلقت منها ثورة 19 تموز، ثورة الشعوب في روج آفا من أجل العيش بكرامة وحرية. كانت المقاومة في البداية صعبة للغاية خاصة أمام تقدم المرتزقة وبأعداد كبيرة، لذا كانت هناك الكثير من العمليات الفدائية التي قام بها المدافعون من خلال تفجير أنفسهم بين مجموعة كبيرة من العدو أو إلقاء أنفسهم أمام الدبابات لوقف تقدمها وإعطابها، كما شارك الشعب في كوباني بتلك المقاومة ومساندة قواهم العسكرية.
الحصار المطلق للمدينة
تمت محاصرة المدينة والمقاتلين فيها من ثلاث جهات بينما بقيت جهة الشمال وحدها غير محاصرة، والسبب في ذلك؛ أن في الشمال تقع الحدود التركية، وهي التي تمد داعش بالسلاح والعتاد وبالعناصر. هذا الحصار أدى إلى قطع إمدادات المياه والكهرباء عن المدينة وسيطرت المرتزقة على الفرن الآلي كما ودمرت المستشفيات الثلاث في المدينة بشكل كامل، وأدى ذلك إلى النقص في مقومات الحياة من مأكل ومشرب، وبقي طبيب واحد متطوع للمساعدة في الرعاية الطبية ومعالجة الجرحى في أحد المنازل المتضررة، إلا إن تمسك أبناء المنطقة بنهج حرب الشعب الثورية كان الرد الأمثل على وحشية المرتزقة، وبقيت العزيمة والإرادة ذاتها متغلبتين على الصعاب من أجل أن تبقى كوباني شامخة.
وصول التعزيزات للمقاومين
بمختلف الوسائل؛ وبشتى الطرق، دخل يوم 28 أيلول 1500 مقاتل من قوات الدفاع الشعبي القادمين من جبال كردستان لمساندة مقاتلي وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في الدفاع عن كوباني. هذا الأمر ساعد إلى حد كبير في تقوية عزيمة المدافعين عن المدينة من خلال الخبرة الكبيرة، التي كانت لدى مقاتلي الحرية وخاصة الذين قادوا المقاومة ونظموا خطوط الدفاع في المدينة.
على الطرف الآخر ومع اشتداد المعارك بين المدافعين والمرتزقة التي كانت تقوم بالهجوم على شكل موجات متتالية، لم يبقَ لدى المدافعين سوى بضعة أمتار بالقرب من البوابة الحدودية مع تركيا، وكان رئيس الوزراء التركي وقتها أردوغان ينتظر خبر سقوط المدينة. لكن المدينة لم تسقط وعلى العكس من ذلك، دعمت أبناء الشعب الكردستاني تلك المقامة وانضموا إليها، حيث انضمت قوات البيشمركة بأسلحتهم أيضاً إليهم بتاريخ 30 تشرين الأول ليشاركوا أخوتهم في هذه المقاومة.
حرب شوارع وقناصة الأسطح
كانت الحرب على أشدّها بين مقاتلي الحرية وبين مرتزقة داعش من مختلف دول العالم (ستالينغراد مصغّرة)، ولكن مقاومة المقاتلين آنذاك في أحياء وشوارع وأزقة كوباني، مثلت بالدفاع عن الإنسانية جمعاء ضد أعتى تنظيم إرهابي متمثل بمرتزقة داعش، وراح ضحية ذلك شهداء كثر، وخاصة من قوات الدفاع الشعبي، الذين مثلوا الدور نفسه في شنكال ومخمور وهولير، لتنتصر مقاومة قلعة الصمود في النهاية بفضل تلك الدماء، والتي كان للمرأة نصيب كبير منها، فشهادة آرين ميركان بعمليتها الفدائية، قلبت الموازين وعكست روح مقاومة المرأة وقيادتها لتلك المقاومة، ليكتب التاريخ بهذه الملحمة التاريخية وتحرر كوباني في 26 كانون الثاني 2015، من مرتزقة داعش لتكون بداية النهاية لهم.
كانت لتلك المقاومة دافع، ليس فقط لتخصيص يوم عالمي للتضامن مع كوباني، بل إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب وداعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبدء المهام المشتركة بعملية “العزم الصلب”.
استمرار الاعتداءات على كوباني
مقاومة كوباني كانت تجسيداً لأسمى معاني البسالة والتضحية، التي قل نظيرها، حيث دافعت بنات وأبناء شعوب شمال وشرق سوريا وأحرار العالم، عن القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية في مواجهة مرتزقة “داعش” في معركة أسطورية بالنيابة عن العالم أجمع. بقيت هذه الملحمة أسطورية لليوم، إلا أن دولة الاحتلال التركي ومنذ هزيمة داعش في كوباني، لم توقف هجماتها على كوباني انتقاماً وثأراً لربيبتها داعش، واليوم يتكرر هذا المشهد بالقصف المستمر على جسر قرقوزاق وسد تشرين، ساعية إلى احتلال المزيد من الأراضي، وخاصة كوباني، وباستخدام مرتزقتها، ترتكب المجازر في سد تشرين باستهداف المدنيين، في ظل صمت مريب من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية، إلا أن روح المقاومة التي تبديها شعوب إقليم شمال وشرق سوريا هي نفسها التي برزت في كوباني، فمنذ الثامن من كانون الثاني الجاري، تشارك شعوب ومكونات شمال وشرق سوريا، شبابا، وتكون المقاومة على سد تشرين على شكل مناوبات صامدين في وجه قصف المحتل التركي ووحشية مرتزقته يحمون السد، ومكتسباتهم، وداعمين قواتهم العسكرية، قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة، مصرين على النصر كما حققوه في كوباني.
وتعد هذه الاعتداءات تهديداً مباشراً للاستقرار في المنطقة، في الوقت الذي تبنى فيه سوريا جديدة، بعد سقوط نظام البعث، وتتوحد المساعي لبناء سوريا لا مركزية ديمقراطية لتحقيق آمال الشعوب، كما أن هذه الاعتداءات، فرصة لتنشيط مرتزقة داعش التي تستغل انشغال قوات سوريا الديمقراطية في الدفاع عن المنطقة بسد تشرين وغيرها من المحاور، لتقوم بهجمات في مناطق عدة، كالهجوم على السجون المحتجزة فيها عوائل داعش.
ورغم ممارسات دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها الإجرامية إلا أن المجتمع الدولي يتمسك بصمته تجاه تلك الانتهاكات، والتي تعد جرائم حرب، كما لم تبدِ المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية أية موقف جدي، تجاه ما يحصل في سد تشرين، وفي إقليم شمال وشرق سوريا عامة.