سوزدار رزكار/ إعلامية
من غرفة صغيرة ضمّت عدداً من المراسلين في بدايات ثورة روج آفا إلى مئات صحفيين والصحفيات ووسائل إعلامية بات الإعلام في إقليم شمال وشرق سوريا منبراً هاماً اليوم وعين المجتمع.
الصحفيون/ات والإعلاميون/ات في شمال وشرق سويا أغلبهم لم يمتهن الصحافة ولا يحملون شهادة الإعلام، التحقوا بهذه المهنة بوصفها مثالاً أخلاقياً يمتلك الحقيقة بصيغة القيم الصحفية كون المنطقة كانت بحاجة للمقومات الإعلامية لاطلاع الرأي العام على مُجريات الأحداث الحاصلة في المنطقة، وأنا واحدة منهم درست فرع الاقتصاد وأثناء شرارة الثورة التحقت بمؤسسة الإعلام عام 2014، وخضت فيها تجارباً كبيرة.
من هذا المنطلق درّب مئات من الشباب والشابات أنفسهم على مهنة الإعلام وصناعة الأخبار وكيفية صناعة صدى وصوت المجتمع فكرياً، أما العمل على أرض الواقع فكان من خلال التجارب كون المنطقة منذ البدايات كانت وما تزال تتعرض لهجمات المحتل التركي، ومرتزقته، وسبقتها هجمات النظام السوري البعثي وارتكابهم المجازر، حيث قاموا بتغطيتها وتوثيقها وعبرها أصبحوا صحفيين ومراسلين ميدانيين وكمراسلي حرب، فكانت كاميراتهم سلاحهم، كما يحمل المقاتل بندقيته ويقف في خطوط الجبهات أمام الهجمات.
قُرابة الشهرين مضت على هجمات المحتل التركي ومرتزقته المكثفة، على سد تشرين وجسر قراقوزاق التي سطّر فيها مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية ومقاتلات وحدات حماية المرأة، ملاحم بطولية، وللتكاتف معهم توجه أهالي شمال وشرق سوريا بمختلف مكوناتها إلى سد تشرين في الـعاشر من كانون الثاني 2025 للتناوب على السد وحمايته بجانب أبنائهم وبناتهم المقاتلين، في صد الهجمات وحمايتها في لحظة تاريخية لشعبٍ يُقاوم طائرات المحتل بصمودهم.
بجانب الأهالي، هناك صحفيين وصحفيات من مختلف المؤسسات الإعلامية في المنطقة، لنقل فعاليات حلقات المناوبة وأحداثها ومقاومتها عبر عدسات كاميراتهم، يوثّقون فيها بطولات وصمود الأهالي في الحفاظ على السد وتكاتفهم مع مقاتليهم على خطوط النار، إلى جانب ما يتعرض له المتناوبون على السد من قصف طائرات المحتل التركي بشكلٍ شبه يومي، والتي أدت لاستشهاد وإصابة العشرات منهم، هؤلاء لا يملكون إلا قلمهم وربما سترة مضادة للرصاص وخوذة فقط، لكنهم يرون أن توجيه رسائل للعالم يعتبر واجباً مقدساً لا بد من القيام به ليرى العالم ويسمع عن هذه المقاومة وهذه البطولات.
هُنا علينا طرح سؤال، كيف يغطي هؤلاء الصحفيون والإعلاميون الحدث مع أنهم يكونون هدفاً للمحتل؟
أو كيف يُعِدّون موادهم الإخبارية، وكيف يلتقطون صوراً ومقاطع فيديو، وكيف يرصدون بأقلامهم الحدث للمجتمع بين أزيز الرصاص وضربات الطائرات، كيف يزودون محطاتهم التلفزيونية ووكالاتهم بالحدث والأهم كيف يقومون بحماية أنفسهم؟
الجواب هنا، حتى تكون صحفيّاً أو إعلامياً أو مراسلاً بحسب قيم الصحافة لن يُتطلب منك التقيد بقواعد والشروط الصحفية والأخبار كـ (الأسئلة الستة، إشارة السؤال، عنصر التوقيت، المصادر ووو) فقط، بل عليك امتلاك الجرأة، الشجاعة، الحب للقضية، الصمود، المقاومة، العزيمة والإصرار والإيمان بالنصر والنجاح، وأنا هُنا أتكلم عن الصحفيين والصحفيات المتناوبين على توثيق الحقيقة في سد تشرين، عن صحفيين يمتلكون كل هذه المقومات حتى ينقلوا حدثاً تاريخياً للرأي العام.
أتكلم عن صحفيين بصورة من عدسة كاميراتهم يجاوبون على الأسئلة الصحفية الستة (من، متى، أين، ماذا، كيف ولماذا)، بمقطع مصوّر واحد يمكن أن تتوفر كل العناصر الخبرية فيه دون إدلاء بمعلومة واحدة حتى، أتكلم عن صحفي يُعِدُّ خبراً بلحظة، ويمكن أن يكون هو خبراً يرصده الناس.
شجاعتهم هذه تؤكد أن تأثير الصحفيين في نقل عزيمة الأهالي من سد تشرين على المحتل أكبر من تأثير الطائرات وقصفها على الأهالي، وهذا ما يجعل المحتل عاجزاً ويلجاً إلى أسلوب الانتهاكات وارتكاب جرائم حرب ضدهم، فمنذ الـسابع عشر من الشهر الجاري أُصيب 9تسعةإعلاميين/ات، فيما استشهد الصحفيان جيان بيلكين وناظم دشتان في الـ 19 كانون الأول بطائرة مُسيّرة تركيّة.
إذاً التقاط الصورة ومقطع مصوّر ليس سهلاً، فهم بجانب كاميراتهم يحملون أرواحهم على كفهم.
بالطبع تكرار استهداف الصحفيين واضحة غايته ألا وهي ليحرم المجتمع الدولي من هذه الحقيقة والمقاومة ويُخفي جرائمه المُتبعة ضد الأهالي وانتهاكاتهم التي يمارسونها ويترك المجال لروايات أخرى من حياكتهم.
فمثلما لعبت الثورة دورها على الصعد العسكرية والسياسية والاجتماعية لعب المجال الإعلامي دوراً هاماً وفتح الطريق أمام التطور في نقل الوقائع والحقائق، ولفت فيها إلى ثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا، أتحدث عن من رصدوا معارك ومقاومة كوباني التي انتصرت على مرتزقة داعش، وعن مقاومة حي الشيخ مقصود، ومن نقلوا صوتها لتكون اليوم مثلاً لحرب الشعب الثوريّة، وعن مقاومة العصر في عفرين المحتلة التي أصبحت شوكة في أعين الجميع بالمقاومة، ومقاومة منبج والحسكة وسري كانيه وقامشلو إلى ديرك، بإمكانات وخبرات محدودة.
في مراحل المقاومة هذه، استشهد 30 صحفياً وصحفيّة نتيجة هجمات الاحتلال التركي ومرتزقة داعش، لم تكن مهنتهم مجرد نقل الأخبار، بل كانت التزاماً بقضية، فكلما واجهوا المخاطر بين القصف والتهديدات المباشرة كلما زاد إيمانهم بعملهم ولم يتراجعوا رغم كل الصعوبات.