رافان ديرسمي
في خطوة جديدة تؤكد التوجهات التوسعية لأنقرة، بدأت أرتال الجيش التركي بالتوغل في مناطق جديدة ضمن ريف اللاذقية الشمالي، بما في ذلك القرى التركمانية والعلوية في جبل التركمان، وجبل النسر، وناحية كسب، وبلدة ربيعة، وصولًا إلى مناطق سد بلوران وزغرين ووادي قنديل.
ويُظهر هذا التوسع الكبير أن تركيا تسعى بكلِّ جهد لترسيخ وجودها العسكري في الأراضي السوريّة، مُدعية أنها تفرض هيمنتها لحماية الأقليات، لكن الواقع يُشير إلى عكس ذلك تمامًا.
خطة تركيا الاستيطانية “رفع العلم التركي وفرض هوية جديدة”
في خطوةٍ واضحة تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي في تلك المناطق، قامت السلطات التركية برفع العلم التركي فوق المدارس والمساجد في القرى التركمانية، جنبًا إلى جنب مع العلم التركماني الأزرق، هذا الأمر يعكس سياسة استيطانية واضحة تهدف إلى فرض هوية تركية على السكان المحليين، في محاولة لتحويل هذه المناطق إلى مناطق خاضعة تمامًا للنفوذ التركي. كما أُقيم احتفال رسمي في خليج قُملوق بمشاركة فعّالة من القوات التركية، ما يعكس رغبة أنقرة في ترسيخ وجودها العسكري والثقافي في هذه المناطق السوريّة تحت ذريعة “إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية”.
التوغل التركي “تهديد للسيادة السوريّة”
لقد شهدت منطقة اللاذقية الشمالية خلال الأيام القليلة الماضية تصعيدًا واضحًا في التواجد العسكري التركي. بعد ثلاث زيارات متتالية من المخابرات التركية إلى ريف اللاذقية الشمالي، بدأت أرتال الجيش التركي في دخول هذه المناطق، وهو ما يعكس استراتيجية تركيا في التوسع السريع نحو مناطق جديدة في سوريا، وعليه فإن هذه الخطوات التركية تؤدي إلى تهديد سيادة الدولة السورية، وتُسهم في تعميق الأزمة السورية عبر زيادة التدخّلات العسكرية الأجنبية.
استخدام المرتزقة وتثبيت النقاط العسكرية “استراتيجيّة تركيّة مُستمرة”
تسعى تركيا إلى ترسيخ وجودها العسكري في سوريا عبر جلب المرتزقة واستخدامهم كأداة لتنفيذ أهدافها في المناطق التي تستهدفها، ومنذ احتلال جبل التركمان، حيث كانت تركيا تستخدم مرتزقتها للسيطرة على هذه المنطقة، عادت اليوم لتوسيع نطاق هذا الاحتلال في العديد من القرى والمدن التابعة لسوريا، هذا التوسع يترافق مع تثبيت النقاط العسكرية التركية في هذه المناطق، مما يعزز من واقع الاحتلال ويمهد لإقامة منطقة نفوذ تركيّة في عمق الأراضي السوريّة، بعيدًا عن أهدافها المزعومة في “حماية الأقليات”.
الاستراتيجية التركية.. من “المنطقة الآمنة” إلى التوسّع الاحتلالي
تركيا تروّج دائمًا لمصطلح “المنطقة الآمنة” كذريعة لحماية المدنيين وحقوق الأقليات في سوريا، ولكن من خلال الإجراءات التي تتخذها أنقرة، يظهر جليًا أن الهدف الحقيقي من هذه السياسات هو توسيع نطاق احتلالها للأراضي السوريّة وفقًا لمصالحها السياسية والاقتصادية. هذا التوسع لا يتوقف عند “حماية الأقليات”، بل يسعى إلى استغلال الأزمة السوريّة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة بما يتناسب مع طموحات تركيا في تحقيق “أمجادها العثمانية” المزعومة.
تأثير الاحتلال التركي على الاستقرار الإقليمي
إن استمرارية الاحتلال التركي في سوريا تهدد ليس فقط سيادة الدولة السورية، بل تهدد الاستقرار الإقليمي برمته، كما أنه يساهم في تزايد التوترات في المنطقة، ويزيد من تعقيد الوضع الأمني، حيث تصطدم تركيا بمواقف القوى الإقليمية والدولية الأخرى التي تسعى إلى إيجاد حل سلمي للأزمة السورية. سياسة الاحتلال التركية لا تتماشى مع الجهود الدولية الرامية لتحقيق الاستقرار في سوريا، بل تعمّق الانقسامات وتؤدي إلى مزيدٍ من التشظي في الوضع الداخلي السوري.
نداء للمجتمع الدولي “مواجهة السياسة التركيّة”
من الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي موقفًا حازمًا تجاه هذه التحركات التركية المتزايدة في سوريا، فاحتلال تركيا لأراضٍ سوريّة تحت حجج زائفة هو انتهاك واضح للسيادة السوريّة وتهديد لمستقبل الشعب السوري. وعلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنيّة أن تقف في وجه هذا التوسع العسكري وتضع حدًا لهذه السياسة الاستيطانية التي تسعى لتغيير الواقع الديموغرافي في المناطق المحتلة.
إن ممارسات تركيا في سوريا تزيد من تعقيد الأزمة، وتفرض مزيدًا من الضغوط على الشعب السوري الذي يعاني بالفعل من أزمات اقتصادية وإنسانية ضخمة. يجب أن تكون هناك خطوات عملية لإجبار تركيا على التراجع عن سياساتها العدوانية في سوريا والعمل على تحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي.