رودين جاويش (كاتب صحفي)
دائماً ما يتم طرح هذا السؤال التالي، لماذا لا يتم اندماج قسد في إطار حكومة الأمر الواقع غير المعترف بها في دمشق ويتم نزع سلاحها من أجل تكوين جيش وطني؟
في الواقع، قسد، ومن خلال بيانات عديدة، توافق على هذا الطرح، وكذلك الدروز، ولكن أين الدولة السوريّة؟ اليوم لا يوجد شيء اسمه الدولة السوريّة، ولا توجد مؤسسات سوريّة، واليوم الجيش السوري مُنحل.
هناك ميليشيات مرتزقة في شمال سوريا من جرابلس إلى عفرين المحتلة تُنكِّل بالمدنيين الكُرد، وهناك “هيئة تحرير الشام” المصنفة على قوائم الإرهاب التي اغتصبت السلطة في دمشق وتضطهد الطائفة العلوية بحجة “ملاحقة بقايا نظام بشار الأسد المخلوع”، وهناك أيضاً مسلحين دروز في محافظة السويداء التي لا تستطيع حكومة الجولاني دخولها، وفرض سلطتها عليها وأيضاً هناك “غرفة عمليات الجنوب” وهي ائتلاف فصائل في درعا.
أي أنه لا يوجد منظومة عسكرية موحدة للسوريين، فلماذا نسلم سلاحنا اليوم من دون هيكلية واضحة للدولة، خاصةً إننا نعلم أنه في الدستور السوري الذي أقرته الجمعية التأسيسية للجمهورية لعام 1950 تحت مُسمى الجمهورية السوريّة، كانت هناك أيضاً حقوق المواطنة على عكس ما تُروّجه سلطة الأمر الواقع في دمشق وتُعرّف عن سوريا باسم الجمهورية العربية السوريّة، من هذا المنطلق والتسمية نرى إقصاء للشعب الكردي الذي يُعتبر جزءاً من تاريخ سوريا، وكان له دور بنّاء فيما وصلت اليه سوريا.
حينذاك كان نص المادة السابعة والثامنة من الفصل الثاني للدستور ينصُّ إن المواطنين متساوون أمام القانون في الواجبات والحقوق وفي الكرامة والمنزلة الاجتماعية وتكفل الدولة الحرية والطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين.
ولكن رأينا فيما بعد مع بسط السلطة نفوذها على مفاصل الدولة والحكم كيف انقلبت على حقوق المواطنة، لذلك وعلى هذا الأساس فإن الكرد والشعوب السوريّة الأخرى يريدون حقوقاً فوق دستورية بمعنى قبل الاندماج ونزع السلاح يجب أن يكون هناك دستور جديد، مواد فوق دستورية بمعنى أنه لا يجوز ولا يصح أن تكون هناك مواد في الدستور تخالفها، وتكون لهذه المواد صفة الإطلاق والدوام والسمو، فتكون بذلك مُحصنة ضد الإلغاء أو التعديل أو مخالفتها ولو بنصوص دستورية، أو أنه تكون هناك وثيقة تتضمن مبادئ أساسية يجب مراعاتها عند وضع الدستور، بل يجب على واضعي الدستور الالتزام بها وعدم المساس بها أو الحياد عنها. وتكمن المواد فوق الدستورية شكل الحكم اللامركزي الذي يصون ويحفظ كرامة المواطن السوري في إدارة شؤونه ومتطلباته الحياتية ضمن بيئة مناسبة ومُنسجمة مع محيطها.
إذا كانت حكومة الأمر الواقع في دمشق جادة في أطروحاتها ونواياها لماذا لا تستطيع إدماج المجموعات المسلحة التي تم ذكرها في وزارة دفاعها، لماذا لا تضع حداً للتدخّلات التركية الصارخة في الشؤون الداخلية السوريّة.
إذاً حسب الوقائع الموجودة على الأرض، الجغرافيا التي تحكمها المنظومات العسكريّة في شمال وجنوب سوريا لا تقبل بعضها البعض وتريد أن تكون سيادة الموقف في قراراتها العسكرية. هنا من تلقاء ذاتها تُطرح اللامركزية في سوريا بحكم الأمر الواقع.
رغم المعطيات المفروضة، لماذا تمنع تركيا السوريين من النظام اللامركزي إذا كان السوريون يعيشونه على أرض الواقع بطريقة ما؟ كل السوريين يريدون نظام لامركزي لأن السوريين عاشوا على مدى 60 عاماً تحت حكم مركزي، حيث نهبت سلطة الأسد ثروات وخيرات الشعب السوري وتجاهلت احتياجات وتطلعات السوريين.
في النهاية، قبل مطالبة الأطراف السوريّة بالاندماج مع الإدارة الجديدة في دمشق، يتوجب عليها الانخراط معها في حوارات جادة موضوعية دون استخدام لغة التهديد والوعيد وأي حل يتطلب توافقاً بين مختلف الأطراف السوريّة، مع ضمان حقوق جميع الشعوب، وتأسيس مؤسسات قوية قادرة على إعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة المستقبلية للسوريين.