هيفدار خالد
عبَّر سكان شمال وشرق سوريا عن غضبهم من الهجمات التركيّة المتواصلة على سد تشرين منذ نحو شهرين، وذلك بتدفقهم نحو السد بروحٍ ومعنويات عالية، القوافل الشعبية التي تتوجه إلى السد دعماً لقوات سوريا الديمقراطية، وبهدف حماية موارد الحياة الخاصة بهم تتعرض لأبشع هجمات من قبل دولة الاحتلال التركي، إلا أن هذه القوافل لم تتراجع عن الذهاب إلى جبهة الحرب والمقاومة رغم شراسة الهجمات.
القوافلُ الشعبية التي تضم النساء وكبار السن والشباب والشابات حوّلوا السد إلى قلعةٍ للمقاومة بعزيمتهم وإصرارهم على حماية السد والدفاع عنه، والوقوف إلى جانب قواتهم، قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة.
جميعُ فئات الشعب ترى في سد تشرين اليوم الطريقَ إلى تحقيق الحرية والحياة الكريمة وعدم الاستسلام واكتساب الهوية التي حُرمت منها منذ مئات السنين، هذا الشعب لم يعد يقبل العيش بدون هوية؛ لذا يناضل ليلَ نهار من أجلها، وقد أدرك الشعب في شمال وشرق سوريا بأن تحقيق سوريا ديمقراطية يكون بضم جميع أطياف الشعب السوري، فمن هناك يمر النضال في وجه المحتل التركي الذي حوّل سوريا إلى ولاية يمارس فيه الانتهاكات والأعمال الإجرامية غير الأخلاقية على مرأى ومسمع الجميع.
مقاومةُ شعوب شمال وشرق سوريا وموقفها الصائب والواضح محلُّ فخر في وقتنا الحالي. نعم، كيف لهذا الشعب المقاوم والمناضل والوطني والثائر أن يهاب ضربات الطائرات الحربيّة التركيّة أو صواريخها أو مُسيّراتها أو حتى ضربات مدفعياتها، بل إنه يصرخ ويغني في وجوههم ويرفع شارة النصر ويخاطر بروحه من أجل أن تبقى تلك الراية تُرفرف عالياً في سماء الوطن الذي رُوي بدماء أبنائه.
كلُّ شيء في سد تشرين أصبح رمزاً من رموز المقاومة، كلُّ شيء هناك هو مَعْلم يعبّر عن عظمة المقاومة الشعبية وصور حية تؤكد على قوة الشعوب المتعطشة للحرية والحياة الكريمة في وجه الإرهاب، ذلك الإرهاب الذي يُمارس بحقه دون أن يُحرّك أحد ساكناً، في وقتٍ أدارت جميع وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية ظهرها لهذه المقاومة وغضت الطرف عنها؛ إلا أن هؤلاء الصحفيين الذين وضعوا حياتهم تحت الخطر لنقل بشاعة الهجمات التركية وهي تستهدف المدنيين المعتصمين في وجه آلة الحرب التي تقودها ضدهم.
كلُّ الذين يتوجهون إلى السد يعلمون مدى حجم الهجمات والضربات، إلا أن كلَّ ذلك لم يخلق حاجزاً للتراجع عن المشاركة في هذه المقاومة التاريخية في وجه الفاشية التركية، فهم يسيرون بخطوات ثابتة نحو الهدف دون أن يتراجعوا خطوة واحدة إلى الوراء، إنهم غير آبهين بالموت ولسان حال جميع المتوجهين إلى هناك يقول: “أنا من كوباني المجاورة لسد تشرين “قلعة المقاومة” تلك التي باتت بمثابة كعبة لشعوب روج آفا ولسان حال الآخر القادم من قامشلو وديرك يقول: أنا من روج آفا من البقعة الجغرافية التي مزق شعبها ثوب الخوف والموت، متحدين كل شيء في سبيل تحقيق حياة حرة، ولسان حال آخر هناك يقول: أنا من أرض رُويت بدماء الشهداء؛ لذا سأبقى هناك، وأُدافع عن سدنا ومياهنا ونهرنا”.
لسانُ حال هؤلاء الشجعان وكبار السن يقول أرواحنا ليست أغلى من أرواح شبابنا وشاباتنا، وهكذا تُسطَّر الملاحم البطولية ولا تنتهي قِصَّةُ هذا الشعب المقاوم والعاشق للحرية الأبدية، كلُّ من يتوجه إلى سد تسرين لدعم المقاومة ومساندة قوات الحماية ويضحي بحياته هو يناضل من أجل الحرية والإنسانية، ومن هنا لا بد أن نُحيّي مقاومة جميع الشعوب التي تكاتفت هناك وبذلت مقاومة تاريخية في هذه المرحلة الحساسة وثم ننحي إجلالاً لأرواح الشهداء الذين تحولوا إلى رموزٍ كبيرةٍ من أجل عيش الجميع بحرية وأمان وهوية حرة .