عبد الغني دياب
على مدار الأربع عشر عاماً الماضية سعت حكومات حزب العدالة والتنمية التركي، إلى بناء تحالفات مع قوى سياسية ودينية عربية، إلا أنها سرعان ما تخلت عن هذه القوى بعد أن استفادت منها، حدث ذلك في أكثر من دولة ما بين مصر وسوريا وليبيا.
يظهر هذا الطرح في واقعة الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي، ومن قبله استغلال الحالة في الداخل السوري لتحويل مجموعات من الشباب السوري للقتال في ليبيا وأذربيجان والآن في النيجر، وهو يشبه تماماً ما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية، عبر إسكات قنواتها وترحيل عدد من قياداتها بعد أن كانت تستميت للدفاع عنهم في السابق.
ويرى خبراء أن تركيا سعت خلال العقد الماضي إلى تحقيق مصالحها بأدوات مختلفة، حيث وظفت الجماعات الدينية لصالحها بعد موجة الربيع العربي، وبعد الإطاحة بالتنظيم الدولي للإخوان لاسيما في مصر، ناصبت أنقرة القاهرة العداء، إلا أن الموقف تحول تماماً بعد أن تعارضت مصالحها في اكتشافات غاز المتوسط.
وقتها أطلقت الحكومة الإخوانية في تركيا أبواقها الإعلامية للهجوم على الدولة المصرية، ومؤسساتها، إلا أنها مع فشلها في تحقيق أهداف تُذكر على المستويين السياسي والاستراتيجي لم تجِد بد من خطب ود القاهرة، وإسكات الأبواق الإخوانية في الداخل.
تحوّلات لافتة
لم يقِف الأمر على حد إسكات أبواق الإخوان والتخلي عن التنظيم المأزوم، بل سارع رأس النظام التركي، يطوف العواصم العربية التي طالما انتقدها وهاجم سياساتها، وتغيّر الموقف تماماً عندما شنت حملات موسعة لمقاطعة المنتجات التركيّة في الدول العربية.
تجدّد طموحات العثمانية الجديدة
ومع سقوط النظام السوري في كانون الأول الماضي، بدأت التصريحات التركية التوسعية تعود للواجهة مرةً أخرى، عبر إعلان نية أنقرة في تنفيذ عمليات عدوانية جديدة في الأراضي السوريّة، بالإضافة دعم المجموعات المرتزقة الموالية لها للهجوم على المواقع الكُردية في أكثر من منطقة، وهو ما يعدّه خبراء محاولات جديدة لإحياء مشروع العثمانية الجديدة.
الرِهان الخاسر
وعطفاً على ذلك يشير مراقبون إلى أن ارتكان الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا إلى الجانب التركي، وعدم المضي قُدماً نحو إطلاق مشروع وطني جامع قد يكون رهاناً خاسراً، لاسيما وأن أنقرة ثبت أنها لم تكن خير حليف خلال السنوات الماضية، بل وظفت مجموعات سياسية لخدمة مصالحها، وتخلت عنهم عندما تحولوا لعبء يمكن أن يعرقل هذه المصالح.
وتأتي التوسعات التركية في ظل صراع نفوذ إقليمي ودولي تواجهه سوريا، والذي تسبب في تدهور الأوضاع السياسية والإنسانية في البلاد على مدى سنوات، حيث تدخّلت دول مثل روسيا وإيران لدعم نظام الأسد، بينما ساندت دول أخرى معارضين للنظام. هذا الصراع أثّر بشكلٍ كبير على حياة السوريين وتسبب في أزمة إنسانية هائلة.