بوزان كرعو
عُقدت قمة الرياض مؤخرًا بمشاركة قادة وممثلي الدول الإقليمية والدولية، لتناول الأزمة السوريّة التي استمرت لأكثر من عقدٍ من الزمن وخلّفت كارثةً إنسانية وسياسية هي الأكبر في القرن الحادي والعشرين، وعلى الرغم من التأكيد الواضح في البيان الختامي للقمة على رفض الإرهاب، والحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ودعم خيارات الشعب السوري، فإن القمة لم تستطِع التخلص من التناقضات الواضحة في تعاملها مع مختلف الملفات، مما أثار تساؤلات حول مصداقية هذا الموقف وفعاليته.
إدانة إسرائيل وتجاهل تركيا: ازدواجية فاضحة
من أبرز ما ورد في البيان الختامي للقمة هو الإدانة الصريحة للتوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة على الحدود السوريّة، واعتباره انتهاكًا لسيادة سوريا، هذا الموقف، رغم كونه متوقعًا في ظل التوترات المزمنة بين إسرائيل وسوريا، جاء ليؤكد مرةً أخرى المواقف المُعلنة تجاه التدخّلات الإسرائيلية.
ولكن على النقيض، تجاهل البيان بشكلٍ كامل التوغل التركي في الجزء الكردستاني من سوريا (شمال وشرق سوريا)، حيث تستمر تركيا في احتلالها لما يزيد عن ثلث الأراضي السوريّة منذ سنوات، متجاوزةً بذلك كل المعايير الدولية وقرارات مجلس الأمن، ليس هذا فقط، بل تُمارس تركيا انتهاكات يومية تشمل القصف العشوائي، التهجير القسري، وتغيير التركيبة السكانية في تلك المناطق، هذا الصمت إزاء تركيا يثير تساؤلات حول أسباب الكيل بمكيالين، وما إذا كان هناك توافق إقليمي ودولي على غض الطرف عن الانتهاكات التركيّة.
معاناة الكرد في ظل الاحتلال التركي
الجزء الكردستاني من سوريا (شمال وشرق سوريا) يعدُّ منطقة ذات أهمية استراتيجية وسياسية كبيرة، هذه المنطقة غنية بالموارد الطبيعية وتضم تنوعًا سكانيًا كبيرًا، بما في ذلك الشعب الكردي الذي يُعدُّ جزءًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي السوري.
منذ بدء التدخّل التركي في سوريا، وخاصةً بعد ما تسمى بعمليتي “درع الفرات” و”نبع السلام”، تعرض الكرد لسياسات عدوانية تهدف إلى محو هويتهم القومية. تشمل هذه السياسات:
1ـ التهجير القسري: تم تهجير مئات الآلاف من سكان المناطق الكرديّة، واستبدالهم بسكان موالين لتركيا في محاولة لتغيير التركيبة السكانية.
2ـ تدمير البنية التحتية: استهدفت العمليات العدوانية التركية المرافق العامة والبنية التحتية الأساسية، مما أدى إلى تدمير حياة المدنيين.
3ـ الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان: توثّق تقارير حقوقية عن حالات قتل، واغتصاب، اعتقال تعسفي، تعذيب، واغتيالات في المناطق التي تحتلها دولة الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة الموالية لها.
إرادة الشعب السوري: شعارات بلا مضمون
أحد الشعارات الأساسية التي تكررت في البيان الختامي للقمة هو “دعم خيارات الشعب السوري واحترام إرادته”، ولكن، كيف يمكن احترام إرادة الشعب السوري إذا تم تجاهل معاناة شريحة كبيرة منه؟ الكرد، الذين يمثلون جزءًا أصيلًا من هذا الشعب، يتم استهدافهم بشكلٍ مباشر في حقوقهم وثقافتهم وهويتهم.
تجاهل القمة لهذه المعاناة يعكس نهجًا انتقائيًا في التعامل مع القضايا السوريّة. الإدانة الصريحة لإسرائيل، في مقابل الصمت عن الانتهاكات التركية، يُرسل رسالة واضحة بأن المصالح السياسية والجيوسياسية تتفوّق على المبادئ الإنسانية التي يُفترض أن تكون أساس أي حل للأزمة السوريّة.
سيادة سوريا ووحدة أراضيها: مبادئ غير قابلة للتجزئة
إذا كان هناك التزام حقيقي بوحدة الأراضي السوريّة وسيادتها، فإن هذا الالتزام يجب أن يشمل جميع الانتهاكات التي تتعرض لها سوريا، بغض النظر عن الجهة الفاعلة. التدخّلات الأجنبية، سواء كانت من إسرائيل أو تركيا أو أي طرف آخر، تُمثل تهديدًا مباشرًا لاستقلال سوريا واستقرارها.
دعوةً إلى موقف دولي موحّد
إن استمرار الأزمة السوريّة وتعمّقها يعود إلى غياب موقف دولي موحد وشامل. الانقسامات بين الدول المعنية بالأزمة، واعتماد معايير مزدوجة في التعامل مع مختلف القضايا، يؤديان إلى تفاقم معاناة الشعب السوري وعرقلة أي تقدّم نحو حل سياسي حقيقي.
لذلك، فإن أي جهد دولي لحل الأزمة يجب أن:
1ـ يُدين جميع الانتهاكات بشكلٍ صريح ودون استثناء.
2ـ يضمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري، بما في ذلك الكرد.
3، يعالج التدخّلات الأجنبية بشكلٍ شامل، ويطالب جميع القوى بالانسحاب من الأراضي السوريّة.
4ـ يدعم عملية سياسية تُمثّل جميع السوريين دون استبعاد أي شعب.
خاتمة.. العدالة لكلِّ السوريين
إن العدالة الحقيقية للشعب السوري تبدأ بالتخلي عن المعايير المزدوجة التي تهيمن على التعامل الدولي مع أزمته. الشعب السوري، بكل مكوناته، يستحق دعمًا حقيقيًا يُعيد له حقوقه ويضمن له الأمن والاستقرار. معالجة الأزمة السوريّة تتطلب رؤية شاملة تنطلق من احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، واحترام حقوق جميع شعوبها، بما في ذلك الكرد، دون استثناء.