أناهيد قصابيان
في أواخر القرن الماضي وبعد التحديات والمعوقات أمام المشاركة السياسية الفاعلة للمرأة وتقديم مقاربة تحليلية لطبيعة تلك المعوقات قبل الحراك الشعبي وبعده، وفي ضوء تحليل التجارب الناجحة في دعم المرأة في العمل السياسي طرحت الدراسات تطوراً عملياً لبعض البرامج السياسية المقترحة التي يمكن تطبيقها بفضل تكاتف جهود الشركاء المعنيين.
بتمكين المرأة سياسياً ومنها الآليات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والأحزاب والجمعيات والقطاع الخاص، وبعد التحديات والمعوقات أمام المشاركة الفاعلة بين الدول والمصالح السياسية والاقتصادية الدولية التي واجهتها الشعوب، وهذه الصراعات ونحن نعاني كشعوب منطقة من هذه الأزمات، وهناك مداخل عدة نستطيع من خلالها حل الأزمة السوريّة، ولكن بشرط عدم تدخّل القوى الخارجية، ويكون الحل سوري سوري ومن أحد هذه الحلول:
1ـ اللامركزية الاقتصادية: ظهرت اللامركزية في المادة 130 من هذا الدستور، التي منحت المحافظات حق فرض الرسوم المحلية دون الضرائب، وتنص المادة 130 على أن موارد المحافظة تتألف من حصة مئوية يعينها القانون وتؤخذ من أصل الضرائب العامة المجبية في المحافظات أو تضاف إليها، وهنالك رسوم محلية فرضها مجلس المحافظة في حدود القانون، ويشترط في هذه الرسوم ألا تعوّق انتقال الأشخاص ومرور الأموال بين المحافظات في حدود القانون، وألا تُقيد حق المواطنين في ممارسة مهنهم وأعمالهم في أراضي الوطن وينظم القانون أصول المحاسبة الخاصة لمجالس المحافظات.
2ـ اللامركزية السياسية: كان النزوع نحو اللامركزية السياسية واضحاً في دستور 1950 عبر المادة 128 منه التي تنص على أنه يؤلف في كل محافظة مجلس ينتخب ثلاثة أرباعه، ويعين الربع الباقي، ويحدد القانون مدة المجلس وعدد أعضائه وأصول الانتخاب والتعيين، كما يحدد القانون مدة وصلاحيات المجلس وينتخب مجلس المحافظة عبر الانتخاب المباشر من قبل المجلس.
أبعاد اللامركزية في دستور 1950
من المؤكد إن المشرعين لم يُحاولا أن يذهبا بعيداً في اللامركزية الأساسية لأسباب نوردها لاحقاً، فمن جهة كان ربع المجلس معيناً من المركز من دون أن يحدد الدستور من يقوم بتعيين هذا الربع، وليس واضحاً إن هذا التعيين سيكون من السلطة التشريعية أم من السلطة التنفيذية أم كليهما، أضف إلى ذلك إن الدستور لم يُعطِ المحافظات صلاحيات فرض ضرائب، معتبراً بذلك إنه يمنح مجلس المحافظة سلطات تشريعية.
في مداولات دستور 1928 ولاسيما في نقاش قضية حقوق الشعوب “الأقليات”، تتجلى فيه بقوة رغبة الانتداب الفرنسي في تعميق انقسام سوريا، أرضاً ومجتمعاً، وكانت هذه القضية أحد محركات النقاش الأساسية وعاملاً حاسماً في خياراته للنصوص الدستورية فبالإضافة إلى الممارسات والقوانين التي عززت الانقسامات الطائفية في سوريا، فقد أسهمت حدود الدويلات التي فرضتها فرنسا أيضاً في تعزيز الانقسام الطائفي، وانعكس هذا الأمر على مشروع دستور 1928 بإشارته إلى الأقليات الدينية فقط دون الطائفية، ففي خطابه حول الأسباب الموجبة للدستور أشار فوزي الغزي إلى هذ الأمر بقوله: ثم تناولت (اللجنة الدستورية) بحث الأقليات الدينية في عدة بنود فحظت على حقوقها المدنية والسياسية طبقاً للمبادئ العامة، وأقرتها جميع الدول بعد الحرب العالمية الثانية.
اللامركزية الإدارية
في الوقت الذي أكد فيه دستور 1928 مركزية الدولة وأحال القضايا الإدارية إلى القانون، فقد قسم دستور 1930 ودساتير الدويلات المرافقة له سوريا إلى أربع دول، تحكمها دساتير مستقلة هي دولة سوريا ودولة اللاذقية وجبل الدروز وسنجق إسكندرون، ووضع الانتداب بالتوازي مع هذه الدساتير وحلها وحدد رئاسة هذا المجلس بالمفوض السامي الذي له وحده الحق في دعوة المجلس للاجتماع، وبوضع جدول أعمال اجتماعاته وبتعيين أمين سره، ومن اللافت للنظر أن الدساتير المختلفة للمناطق، ففيها سُمي القانون العضوي لجبل الدروز وسنجق إسكندرون، ووضع الانتداب بالتوازي مع هذه الدساتير ما أسماه مجلس المصالح المشتركة، وحدد مهمته بمؤازرة ممثل الدولة المنتدبة في درس المسائل المالية والاقتصادية المشتركة بين الدول المشمولة بالانتداب، وحلها، وبوضع جدول أعماله.
الإرث المؤسساتي وأثره على القدرة على التغيير
رغم أن تقلّب النظم في الخمسين سنة الأولى من تاريخ سوريا كان له أثر بالغ على مؤسسات الحكم، فإن عدم ثبات أي من هذه النظم لفترة طويلة أدى إلى عدم تثبيت هذا الأثر مؤسساتياً بشكلٍ عميق، على حين أن التغيير الذي أتى بعد انقلاب 1970، أدى إلى خلق مؤسسات حكم مركزي ومحلي استمرت كما هي مع تغييرات شكلية لأكثر من خمسين سنة، ومع أن هذا الخيار المؤسساتي كان تسلطياً وقسرياً ولا يعكس الرغبات المحلية، فإن استمراره لهذه الفترة الطويلة أدى إلى ترسيخه، وهذا الأمر يستدعي المزيد من البحث والدراسة، لفهم أثره على القدرة على تغيير هذه المؤسسات، وتبني نظام لامركزي جديد فاستمرار المؤسسات لفترة طويلة يؤدي عادةً إلى عطالة مؤسساتية كبيرة، تمنع التغيير ويؤدي إلى حالة من الاعتمادية على النظام القائم.
التبني أو التفادي الشكلي للامركزية
يتضح من استعراض اللامركزية في الدساتير السوريّة أن تبني أو تتفادى مصطلح اللامركزية، ففيها لم يكن بحد ذاته دلالة كافية على مركزية أو لامركزية الدستور، وإنما ما يتضمنه الدستور من نصوص تدعم وجودها، ففي دستور 1950 نجد نصوصاً مهمة عن اللامركزية، دون ورود الكلمة فيها، على حين يتحدث دستور 2012 عن لامركزية الصلاحيات والمسؤوليات، من دون أي مضمون يُشير لذلك على مستوى الدستور، وبذلك فإن ورود الكلمة كان إفراغاً لها من محتواها.
ولحل الأزمة السوريّة جميع الشعوب السوريّة بحاجة إلى اللامركزية للوصول إلى الإصلاحات السياسية الاقتصادية والمؤسساتية في سوريا.