قامشلو/ آرين زاغروس ـ الخذلان سيد الموقف في أفغانستان، فبعد عودة حكم طالبان، جردت المرأة مرة أخرى من حقوقها، فاختارت الصمت وتبقى حبيسة المنزل، فالمرأة المقاومة تحولت إلى طريدة يحق لأي شخص قتلها وتعذيبها.
في سنوات حكمها أصبحت حكومة طالبان في أفغانستان رمزاً لنظام أكثر ظلماً وقمعاً في العالم للنساء، وأقرت الحكومة عدداً جديداً من القوانين وأدخلتها حيز التنفيذ؛ ما سببت في خنق حرية المرأة، وهضم حقوقها الأساسية.
ولا تزال مكانة المرأة في أفغانستان تتآكل وتصل إلى مستويات متدنية جديدة، بالرغم من وجود قوانين تجرم الانتهاكات ضدها، لتتعرض للقتل والعنف والسجن دون تسجيل إحصائيات ثابته؛ لأن الجرائم التي ترتكب بحق النساء تحجب عن الإعلام ووسائل التواصل الافتراضي؛ ما يصعب توثيقها وتدوينها.
إحصائيات القتل واستهداف المرأة
فقد تعرَّض المدنيون في أفغانستان من نساء ورجال على حد سواء للاعتقال والاحتجاز التعسفيين والاختفاء القسري، وظلوا عرضة لخطر الإعدام والموت في الحجز والتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة. وسجَّلت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان 1,600 حالة انتهاك لحقوق الإنسان ذات صلة بالاحتجاز بين كانون الثاني 2022 وتموز 2023، وشكَّل نصف تلك الحالات شكلًا من التعذيب وغيره من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية المهينة.
ووثَّقت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان توقيع عقوبة الجَلد على الملأ بحق 274 رجلاً و58 امرأة، وصبيَّيْن بين تشرين الثاني 2022 ونيسان 2023، وحُكم على 103 أشخاص بمثل هذه العقوبات بحلول أيار.
كما كشفت الإحصائيات، التي نشرتها جريدة “اطلاعات روز” حالات قتل النساء أو انتحارهن من 21 كانون الثاني عام 2023، وحتى 19 شباط، أنه قد قتلت حركة طالبان 87 امرأة بنيران مباشرة في 15 مقاطعة، كما قُتلت 72 امرأة أخرى في ظروف غامضة في ثماني مقاطعات، فيما انتحرت 51 امرأة في 20 محافظة، وتم اعتقال 1115 امرأة من 18 محافظة، وتعرضت 79 امرأة في 18 مقاطعة للجلد من طالبان.
وبينت منظمة “أفغان ويتنس” المعنية برصد قضايا حقوق الإنسان في أفغانستان أن أشكالاً مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، زادت خلال ثلاثة أعوام من حكم طالبان في أفغانستان، وأضافت المنظمة أن 840 امرأة تعرضن لعنف قائم على النوع الاجتماعي، في العامين والنصف الماضيين، مع الإبلاغ عن 332 حالة قتل الإناث، فخلال شهر حزيران لعام 2024 قتلت خمس نساء، بينهم طفلتان واحدة بعمر خمس سنوات والثانية بعمر عشر سنوات، وقد قتلت بجريمة ذهابها لجمع الحطب من بساتين الزيتون في جلال آباد، وخلال شهر تموز لعام 2024 قتلت ست نساء، وثلاثة أطفال في أفغانستان على يد رجال، فيما أنهت ست أخريات حياتهن نتيجة العنف المزدوج الممارس ضدهن.
وبسبب امتناع حركة طالبان عن إعلان جرائم القتل التي تحدث بحق النساء في أفغانستان، تعكس وسائل الإعلام أعداداً محدودة عن إحصائيات قتل النساء والفتيات في البلاد.
القانون يخذل المرأة
والجدير بالذكر أن القوانين في أفغانستان لم تكن عادلة بحق المرأة، فمنذ 2001، أعلِن عن الإصلاحات القانونية في أفغانستان، إلى جانب توسيع فرص التعليم والتوظيف، باعتبارها تقدماً مهماً للنساء والفتيات الأفغانيات، وقد ظهرت تحسينات أخرى في الحماية القانونية من خلال تدريب مجموعة من المحاميات، ومدعيات عامات وقاضيات، واعتماد قوانين جديدة، من أهمها قانون مكافحة العنف ضد المرأة.
وجرم هذا القانون 22 انتهاكاً تجاه النساء، بما فيها الاغتصاب والضرب والزواج القسري وحرمان النساء من التملك، وعدم منع المرأة أو الفتاة من الذهاب إلى المدرسة أو العمل، رغم المقاومة الكبيرة من المحافظين داخل القضاء والبرلمان الأفغاني، ساهم القانون في إحراز بعض التقدم الحقيقي، ما سهل زيادة البلاغات والتحقيقات في الجرائم العنيفة ضد النساء والفتيات.
بعد أن تولت حكومة طالبان الحكم من جديد أصبح تنفيذ هذه القوانين بعيد المنال، ووضعت طالبان قوانين جديدة بحق المرأة تحظر حقوقها ومنها منع النساء من رفع أصواتهن في الأماكن العامة، وبالإضافة إلى ذلك، يحظر على النساء قراءة القرآن في الأماكن العامة، كما يحظر عليهن النظر إلى الرجال من غير أزواجهن أو أقاربهن، كما حظر عليها التجول في الأسواق دون رجل يرافقها.
هذا وإن الوصول إلى التعليم الأساسي تراجع بشكل حاد أيضاً، إذ انخفض عدد الفتيات والفتيان الملتحقين بالمدارس بنحو 1,1 مليون، إذ بعد شهر من سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، منعت الفتيات من ارتياد المدارس الثانوية للبنات، وذلك في أيلول 2021، وقد افتتحت مدارس البنين وأبقت أبواب مدارس الفتيات مغلقة، وبقيت معظم المدارس الثانوية للبنات مغلقة.
كما فُرضت القيود تدريجياً، ففي كانون الأول 2021، أمرت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بوجوب مرافقة المحرم للمرأة خلال السفر إذا كانت المسافة، التي ستقطعها أطول من 72 كيلومتراً.
ومنعت المرأة من التجوال في الأماكن العامة كالحدائق والمطاعم وارتياد الصالات الرياضية والمسابح، وفقدت العديد من النساء وظائفهن، وفي السابع من أيار 2022، أعلنت الحكومة مرسوماً، يفرض لباساً على المرأة يغطي جسدها من الرأس حتى أخمص القدمين.
كما في 20 كانون الأول 2022، أصدر وزير التعليم العالي في حكومة طالبان أمراً بإيقاف تدريس الفتيات في الجامعات الحكومية والخاصة، وأشارت اليونسكو إلى أن هناك الآن نحو 2,5 مليون فتاة حرمن من حقهن في التعليم، وهو ما يمثل 80 في المائة من الفتيات الأفغانيات في سن الدراسة، وأفغانستان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع الفتيات والنساء من الالتحاق بالمدارس الثانوية والجامعات.
وأغلقت حركة طالبان الأماكن التي تستطيع فيها النساء التجمع بعيداً عن أعين طالبان، وهي صالونات تصفيف الشعر والتجميل، وذلك في الرابع من تموز عام 2023.
والغريب أن هناك العديد من المواد في دستور أفغانستان يحفظ الحقوق التي حرمتها حركة طالبان ومنها: المادة 22: يتمتع جميع مواطني أفغانستان، رجال ونساء، بحقوق متساوية. المادة 43: التعليم حق لجميع مواطني أفغانستان. المادة 48: العمل حق لكل أفغاني، فقد طبقتها طالبان على الرجال فقط.
مقاومة وصمود
ومن الشائع أن يتم تصوير المرأة في هذا البلد، في المنتديات ووسائل الإعلام الدولية، على أنها ضحية، ولكن، في الواقع، بذلت المرأة الأفغانية، في مواجهة الحرب والفقر المدقع والعنف والتمييز الذي يمارس ضدها، كلّ جهد ممكن، من دون أي كلل أو ملل، لحماية أسرتها ومجتمعها المحلي وإعالتهما، وبالرغم من تعرضها للتهديد والاعتداء كلما رفعت صوتها، وحرمانها من الوصول إلى مناصب السلطة وصنع القرار واستُبعدت عنها، لكن هذا لم يمنعها من الدفاع بشجاعة عن حقوقها وإنشاء شبكات دعم لها.