عبدالرحمن ربوع
السنوات الأربع الفائتة كانت الأسوأ على السوريين على مدى الثلاثة عشر سنة الفائتة من عُمر الأزمة السوريّة إلا أن القادم ربما سيُصبح الأسوأ على الإطلاق فيما إذا ارتكب الرئيس دونالد ترامب المعاد انتخابه أخطاءً “غير مُستبعدة” خلال صياغة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه سوريا وتجاه منطقة الشرق الأوسط عمومًا.
خلال ولاية الرئيس جو بايدن التي تكاد تنتهي خلال الشهر الحالي والمُقبل؛ كان كل ما فعله بايدن هو تسكين الأوضاع في سوريا، حيث استمر في تحاشي القوات الروسيّة، رغم أنها في حدّها الأدنى من حيث العدد والعتاد منذ أواخر 2015، كذلك غض النظر عن الانتهاكات التركية وتمدد الجيش التركي الخطير قُرب قواعد التحالف الدولي وقرب مراكز ومعسكرات احتجاز عناصر داعش وعائلاتهم. كما ضغط على القوات والمليشيات الإيرانية لحشرها في مربعات محددة في حمص وحلب ودمشق ودير الزور وإدلب. أيضًا تعاون مع إسرائيل على توجيه ضربات مُركزة ومحددة ومؤثرة لقادة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين.
علاوةً على ذلك؛ أعلنت إدارة بايدن أنها غير موافقة على التقارب العربي والأوروبي مع النظام في دمشق، وأنها تُفضل التريّث حتى يغيّر سلوكه العدواني والوحشي ضد الشعب السوري. ولكنها غضت النظر عن هذا “التقارب” مراعاةً للمخاوف العربية من إغراق دول المنطقة بالمخدرات، ومن موجة أعمال واستهدافات إرهابية. كما تفهّمت واشنطن حاجة أوروبا وعلى رأسها إيطاليا واليونان وقبرص وألمانيا وفرنسا إلى فتح قنوات اتصال مع دمشق لبناء سياسة واستراتيجية مشتركة لمنع أو للحد من الهجرة غير الشرعية، وربما البدء بإعادة اللاجئين السوريين.
هذه السياسة التي يُمكن وصفها بـ”المتراخية” و”الغائمة” التي انتهجها بايدن في سوريا سببها الرئيسي “خفوت” دويّ مدافع وصواريخ القصف المتبادل بين النظام والمعارضة. وانحسار موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا، والانشغال بجائحة كورونا، ثم بالحرب الروسية الأوكرانية، ثم الحرب الإسرائيلية على غزة، وفضلاً عن كل شيء كانت هناك المواقف الإيرانية الضاغطة على الأمريكيين والأوروبيين والعرب لإعادة العلاقات مع دمشق وإعادة تدوير نظام الأسد ضمن صفقة موسّعة بين إيران والأطراف العربية؛ تُوقِف الحرب في اليمن، وتوقِف تهديد الأردن، وتوقف إطلاق الصواريخ على الرياض وأبوظبي، وتترك حماس تقلع شوكها بأيديها، بالإضافة إلى لجم مليشيا حزب الله في لبنان والمليشيات العراقية واليمنية عن التدخّل ضد إسرائيل.
ومع نجاح إيران “نسبيًا” في الوفاء بتعهداتها للعرب وإسرائيل، ونجاح دمشق بضبط النفس إزاء الاستفزازات الإسرائيلية والأمريكية المُهينة على مدى أكثر من عشر سنوات، والالتزام بسياسة الصبر الاستراتيجي خلال السنة الأخيرة بالذات، والسكوت عن التمدد الإسرائيلي في القنيطرة؛ بل والتعاون “غير المباشر” مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في تصفية عدد كبير جدًا من القادة والكوادر الإيرانيين واللبنانيين والفلسطينيين في سوريا، حصدت دمشق الكثير من الرضا الأمريكي؛ ما دفع الرئيس بايدن وإدارته إلى الاكتفاء بالعقوبات المالية “الشكلية” تجاه النظام في سوريا، وكف أي تدخّل خارجي ريثما يتوصل السوريون بأنفسهم إلى حل مقبول ومستدام، أو مساعدتهم في الوصول إليه عقب الانتهاء من الحرب الروسية الأوكرانية والحرب في غزة.
ومع عودة دونالد ترامب رئيسًا في البيت الأبيض لا يتوقع السوريون خيرًا ولا يستبشرون حلًا. فترامب وإن كان سيضيّق الخناق على إيران وحلفائها إرضاءً لصديقه وشريكه وداعمه بنيامين نتنياهو وأصدقائه وشركائه وداعميه العرب ما يضطر إيران للخروج من سوريا، وهو الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على النظام في دمشق، إلا أنه (أي ترامب) قد يفتح صفحة علاقات جيدة مع تركيا بما يسمح لها بمزيد من التمدد في سوريا، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق، ووقف دعم المعارضة، والانقلاب على تنظيم القاعدة وتسليم إدلب لجيش حكومة دمشق، وإجبار اللاجئين على العودة القسرية إلى المناطق التي تحتلها في شمال سوريا.
وهذا سيترتب عليه تنفيذ أسوأ سيناريو لأسوأ المخاوف بعودة قوية لداعش، وارتكاب مجازر غير مسبوقة في إدلب وحلب والرقة. الأمر الذي يجعل هذا الخيار مستبعدًا، أو أن يتم تنفيذه على مدى طويل، بحيث يمكن احتواء تبِعاته الأمنية والإنسانية تدريجيًا.
في المقابل، قد تدفع إدارة ترامب باتجاه دعم مشروع الإدارة الذاتية لحل الأزمة السوريّة عبر مساومة روسيا وإيران للضغط على حكومة النظام في دمشق، ومساومة تركيا للضغط على المعارضة وتنظيم القاعدة ممثلين بالحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ لإبرام اتفاق سوري موسع يضم الحكومات الثلاثة، بالإضافة إلى الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى إدارة الحراك الشعبي في السويداء، إلى جانب بقية المنصات السياسية ومبادرات المجتمع المدني.
ورغم صعوبة تطبيق هذا الطرح بسبب الهوّة الواسعة بين الأطراف حاليًا؛ لكن قد يكون بإمكان إدارة ترامب وبإمكان مبعوثه القادم إلى سوريا بالتعاون مع الدول العربية وتركيا وروسيا تقريب وجهات النظر بين أكبر عدد من الفرقاء السوريين ريثما ينضم الجميع إلى اتفاق شامل يبدأ مرحلة انتقالية، وينهي الأزمة السوريّة بصياغة دستور ديمقراطي لامركزي، ويفتح الباب لطرد المحتلين ولإعادة إعمار البلد وإعادة المُهجرين والنازحين وإعادة تدوير عجلة الإنتاج والاقتصاد ووقف نزيف الدم والتغيير الديمغرافي.