تسود منطقة الشرق الأوسط حالة ترّقب منذ اغتيال رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31/7/2024، بخصوص رد إيران وحلفائها على إسرائيل، وحقيقة المسألة ليست انتقاماً لشخص كان اغتياله متوقعاً بأيّ توقيتٍ، بلِ الانتقامُ للمكانِ، فالاغتيالُ وقع في العُمق الإيرانيّ الجغرافيّ والأمنيّ، ففيما تسعى طهران لتثبيت وجودها خارج حدودها تلقت طعنة عميقة ونافذة في الداخلِ، ولذلك تسعى للانتقام لكيان الدولة الإيرانيّة واستعادة اعتبارها وهيبتها، تؤكد ذلك تصريحات المسؤولين الإيرانيين واستخدامهم مصطلحات من قبيل الانتقام، والمحاسبة والمعاقبة والواجب الوطنيّ والدينيّ.
على وقعِ التهديد
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانيّة ناصر كنعاني، الثلاثاء 13/8/2024، إن الدعوات التي وجهتها دول أوروبيّة لطهران بضبط النفس فيما يتعلق بالرد على إسرائيل “تفتقر للمنطق السياسيّ وتتعارض مع مبادئ القانون الدولي”. وأنّ طهران لا “تطلب الإذن من أحد في استخدام حقوقها”، مشيراً إلى أنّ إيران مصممة في الدفاع عن سيادتها وأمنها القومي. وأضاف كنعاني: “الغرب يطلب منا بوقاحة عدم القيام بأي عمل انتقامي ضد إسرائيل”.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أجرى الاثنين 12/8/2024 محادثات مع قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا لبحث التوتر في الشرق الأوسط بما في ذلك التهديدات الإيرانية بمهاجمة إسرائيل، وفق ما أعلن البيت الأبيض. ودعا بايدن وقادة الدول الأربع في بيانٍ لهم إيران إلى “التراجع” عن تهديداتها بشنّ هجوم على إسرائيل.
توقع البيت الأبيض، الاثنين 12/8/2024، أنّ هجوم إيران أو وكلائها على إسرائيل والمنطقة قد يتم خلال هذا الأسبوع. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، إن وزير الدفاع الأمريكيّ لويد أوستن أجرى تعديلات على وضع القوات الأمريكيّة في المنطقة. ودعا الولايات المتحدة إلى الاستعداد لما قد يكون “هجمات كبيرة” من إيران. وقال مصدر أمريكيّ آخر إن إيران عازمة على شن هجوم أكبر مما نفذته في 13/4/2024.
وكان الرئيس الإيرانيّ مسعود بزشكيان، قد جدد الأربعاء 7/8/2024، تهديدَ إسرائيل وأنّ الردَّ عليها سيكون في الوقت المناسب وقال الرئيس الإيراني في اتصال مع نظيره الفرنسيّ إيمانويل ماكرونّ، إن بلاده لن تسكت على الاعتداء على مصالحها وأمنها وستتحرك وفقا للقوانين والمعاهدات الدولية. وأضاف أن طهران تحتفظ بحقها في الرد المناسب على إسرائيل، لاسيما أن هنية كان ضيفها حين اغتيل على أرضها. ودعا الدول الغربيّة إلى “التوقف عن دعم إسرائيل إذا أرادت منع انتشار الحرب والفوضى بالمنطقة”.
أما رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف فقال الأحد 11/8/2024: “إنّ طهران تعتبر الانتقام لهنية واجباً دينياً ووطنيّاً، وإن على إسرائيل أن تترقب العقاب الشديد من إيران”.
وقال القائم بأعمال وزارة الخارجية الإيرانيّة، علي باقري، الخميس 8/8/2024، إن اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران كان خطأ استراتيجي وسيكلف إسرائيل الكثير. وشدّد باقري على حق بلاده في الرد والدفاع المشروع عن نفسها، وأن الردّ على إسرائيل “سيكون مكلفاً” وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً. وأضاف أن “المسؤولون في إيران هم الذين يقررون كيفية الردّ وفق مصالح البلاد”. وأشار إلى أن إسرائيل “تريد تصدير التوتر والحرب والأزمة من غزة إلى سائر المنطقة”، مؤكداً في الوقت نفسه على أنها غير قادرة على شنّ حرب ضد بلاده.
وتوعد المتحدث باسم الحرس الثوري إسرائيل بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية. مشدداً على أن هذا الرد سيأتي فيما سماه “الموعد المحدد”، معتبراً أنّ اغتيال هنية هدفه تقليص قوة ردع جبهة المقاومة وإضعافها.
وأكد قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، الاثنين 5/8/2024، بأن إسرائيل “ستتلقى الجزاء في الوقت المحدد”. وتحدث سلامي عن أن إسرائيل ستواجه “رداً حاسماً” على اغتيال هنية.
وتابع بأن إسرائيل “ارتكبت خطأ في تقديراتها بقتل هنية، وستواجه رداً حاسماً”، وأردف: “نحن أمام سلسلة من الأحداث المتباينة والمتصاعدة، حيث كانت في السابق القوى التي تحدث الأحداث، لكن اليوم تبدل الحال”.
وكان محمد باقري، رئيس الأركان الإيرانيّ قد أعلن في 2/8/2024 أنّ طهران تبحث مع الجماعات المتحالفة معها كيفية الرد على إسرائيل عقب مقتل هنية، وأكد أنّ “الرد على إسرائيل أمر لا مفر منه وسيكون من خلال تدابير متنوعة”. وأضاف أن “إسرائيل ستشعر بالندم على أفعالها”.
وتأتي التصريحات الإيرانية بينما كشف الحرس الثوري عن صواريخ كروز جديدة قال إنه لا يمكن رصدها.
حالة تأهب قصوى في إسرائيل
الاثنين 12/8/2024، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إن إسرائيل عززت دفاعاتها تحسباً لأي هجوم من إيران وحزب الله وكرست الأيام الأخيرة لبحث خيارات هجومية للرد. وأضاف “أيّ هجوم على إسرائيل سيُقابل بردٍّ قوي وبطرق لم تستخدمها إسرائيل من قبل”، وفق تعبيره. وجاءت تصريحات غالانت في ضوء تقارير للاستخبارات الإسرائيلية تشير إلى أنّ إيران قررت شن هجوم مباشر على إسرائيل قبل موعد اجتماع الوسطاء لبحث وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري: إنّ الجيش الإسرائيليّ يأخذ تهديدات من وصفهم بالأعداء “على محمل الجد”، وهو في “حالة تأهب قصوى”.
وقال موقع “والا” الإسرائيلي إن غالانت أبلغ أوستن برصد استعدادات عسكرية لإيران مما يعزز تقديرات بنيتها شن هجوم في الأيام المقبلة. الرد على اغتيال إسرائيل القيادي البارز فؤاد شكر في غارة على ضاحية بيروت الجنوبية.
ونقل موقع أكسيوس الإخباريّ عن مصدرين مطلعين أن التقييم المحدث لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية هو أن إيران مستعدة لمهاجمة إسرائيل بشكل مباشر رداً على اغتيال هنية، ومن المرجح أن يحدث ذلك في غضون أيام.
وأضاف الموقع أن الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو رفعا حالة التأهب على ضوء التقديرات بشأن رد إيراني وشيك. وبحسب المصادر المطلعة التي نقل عنها أكسيوس، فإن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لا تزال ترجح أن يهاجم حزب الله أولا ومن ثم إيران. ورجحت أن تشمل هجمات حزب الله وإيران إطلاق صواريخ ومسيرات على أهداف عسكرية وسط إسرائيل وقرب مراكز سكانية مدنية.
كما نقل الموقع الإخباري الأمريكيّ عن مصدر مطلع على المعلومات الاستخباراتية قوله: إن النقاش في إيران مستمر ومن الممكن أن تتغير عملية صنع القرار الإيراني، إذ إن الحرس الثوري يسعى إلى رد أكثر شدة وأوسع نطاقا من هجوم نيسان، في حين يعتقد الرئيس الإيراني الجديد ومستشاروه أن التصعيد الإقليمي لن يخدم مصالح البلاد.
الخميس 2/8/2024 أكد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيليّ، الوقوف على أهبة الاستعداد في ظل تزايد التوقعات بقيام إيران أو حلفائها بالرد على مقتل قيادات بارزة في حزب الله وحماس. وأفاد، بناءً على بيانات صادرة عن مكتبه عقب زيارته لقيادة الجبهة الداخلية، بأن “إسرائيل مجهزة تماماً لمواجهة أي ظرف، سواء دفاعياً أو هجومياً. وسنفرض عقوبة شديدة على منفذ أي فعل عدائي ضدنا، أياً كان”.
وفي هذا السياق أغلقت إسرائيل ثلاثين معملاً في الشمال استعداداً لهجمات صاروخية محتملة، وأفرغت مستودعات المواد الكيميائية في منطقة خليج حيفا. وأوقفت الحركة الجوية من منطقة خضيرة وحتى الحدود اللبنانية. تُعتبر الإجراءات الإسرائيلية، مثل إغلاق المصانع والمجال الجوي، دليلاً على توقعات بتصعيد عسكري قريب
وفي وقت مبكر من الشهر الحالي أعلنت الحكومة الإسرائيليّة أنّها تتلقى تهديدات وهي مستعدة لمواجهة أي سيناريو، قائلة: “قدرتنا تمتد للوصول إلى كل من يعتدي علينا”، وأكملت: “نؤكد مقتل محمد الضيف (قائد كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس) والقيادي في حزب الله فؤاد شكر”، وأشارت: “نرد على أي هجوم من حزب الله والحوثيين”، مؤكدة: “نستهدف قادة حزب الله ومخازن أسلحته”.
موسكو وواشنطن على حافتي شقاق
وقالت وزارة الدفاع الأمريكيّة (البنتاغون) في وقت مبكر الاثنين 12/8/2024، إن الوزير لويد أوستن أبلغ نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت بأنه أمر بسرعة انتقال مجموعة حاملة الطائرات إبراهام لنكولن إلى المنطقة. وأضاف البنتاغون أن أوستن أبلغ غالانت أيضا بإرسال غواصة الصواريخ الموجهة “جورجيا” إلى منطقة القيادة الوسطى.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، بات رايدر، إن أوستن أمر الأسطول الذي تقوده يو إس إس أبراهام لينكولن، ويضم مقاتلات من طراز إف-35 سي، بالتحرك بشكل أسرع، لمواجهة خطر هجوم واسع النطاق من جانب حزب الله اللبناني، أو من إيران نفسها على إسرائيل.
وأرسلت الولايات المتحدة أيضا غواصة صواريخ إضافية إلى المنطقة مساء الأحد، بحسب بيان للبنتاغون. وستنضم لينكولن إلى حاملة طائرات أخرى، وهي «يو إس إس ثيودور روزفلت»، التي تتمركز بالفعل في شرق البحر الأبيض المتوسط، بحسب صحيفة «فورين بوليسي» الأمريكيّة.
وعززت واشنطن في الآونة الأخيرة قواتها في الشرق الأوسط تحسباً لرد من إيران وحزب الله على عمليتي الاغتيال في طهران وضاحية بيروت الجنوبية. وتعهدت الولايات المتحدة بأنها ستدافع عن إسرائيل مثلما فعلت في نيسان الماضي عندما تعرضت لهجمات لصواريخ ومسيرات إيرانية.
من جهة ثانية تشير زيارة سيرغي شويغو إلى طهران إلى مرحلة جديدة من التعاون الروسي الإيراني، ما قد يؤدي إلى تغييرات استراتيجية في السياسة الإقليمية والدولية وأفادت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء بأن أمين مجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، زار العاصمة الإيرانية طهران الاثنين 5/8/2024، لإجراء لقاءات مع أبرز القيادات في إيران، بما في ذلك الرئيس مسعود بزشكيان.
وأوردت إنترفاكس أن شويغو، الذي شغل منصب وزير الدفاع قبل تعيينه في مجلس الأمن في مايو، سيجري مباحثات كذلك مع رئيس الأمن القومي الإيراني وقائد هيئة الأركان العامة. وتسعى موسكو لتقوية روابطها مع طهران عقب اندلاع الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتعلن عن استعدادها لإبرام اتفاقية تعاون شاملة مع إيران، ونقلت رويترز في شباط الماضي أنّ إيران قدمت لروسيا دفعة ضخمة من الصواريخ الباليستيّة.
وترفض موسكو التصريحات الأمريكيّة التي تفيد بأن روسيا تشدد تحالفها العسكري مع إيران واستلمت مئات الطائرات المسيّرة الهجومية والتي تستعملها في قصف أوكرانيا، وأدانت موسكو إدانة اغتيال إسماعيل هنية في طهران وحذرت من “التبعات الخطيرة لهذا الفعل”.
من جبهات إسناد لحربٍ مفتوحة
أكد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن رد المقاومة على جرائم العدو آت لا محالة وسيكون قوياً وفاعلاً أياً تكن العواقب، لافتاً إلى أنّ إسرائيل كلها تقف اليوم على قدم ونصف من الجنوب إلى الوسط والشمال. وقال في كلمة له في 6/8/2024، خلال تأبين القائد العسكريّ في حزب الله فؤاد شكر: “إنّ المقاومة سترد على اغتيال القائد فؤاد شكر والعدو الإسرائيلي ينتظر ويترقب ويحسب كل صيحة هي الرد، لافتاً إلى أن انتظار الكيان رد المقاومة هو جزء من العقاب”.
وكان لافتاً في خطاب “نصر الله” عدم الإشارة إلى اسم سوريا كواحدة من “ساحات محور المقاومة” التي قد تنخرط أو تشترك في الرد المحتمل على إسرائيل، والأمر نفسه بالنسبة لخطاب إيران التي تقود هذا المحور ويتجنب المسؤولون الإيرانيون الإشارة إلى أي دورٍ سوريّ محتمل.
الساحات المرجحة لا تخرج عن نطاق العراق واليمن وإيران ولبنان، كما استعرضها نصر الله في خطابه قبل أيام، معتبراً أن الأمر لم يعد يقتصر على “جبهات إسناد”، بل “أصبحنا أمام حرب مفتوحة”.
وتشهد الحدود الشماليّة حالة تصعيد دون أن يرتقي ذلك إلى الدخول في حربٍ مباشرةٍ، ففيما تستهدف إسرائيل مواقع في لبنان بالقصف الجوي والطيران المسير يقصف حزب الله مواقع شمال إسرائيل، وأعلن حزب الله اللبناني ليل الأحد الاثنين إطلاق صواريخ على شمال إسرائيل رداً على ضربات إسرائيلية على جنوب لبنان أدت إلى مقتل ثلاثة من مقاتليه وإصابة 12 آخرين. وذكر حزب الله في بيانه أنّه قصف المقر المستحدث لقيادة الفرقة 146 في جعتون بصليات من صواريخ الكاتيوشا. وبالمقابل، أبلغ الجيش الإسرائيلي عن إطلاق 30 صاروخاً من لبنان باتجاه منطقة الكابري، سقط العديد منها في مناطق مفتوحة دون تسجيل إصابات.
وأدى التصعيد إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، فقد قتل 565 شخصا في لبنان على الأقل، بينهم 116 مدنيّ، فيما أعلنت إسرائيل مقتل 22 عسكرياً و26 مدنياً منذ بدء التصعيد، بينهم 12 في الجولان السوريّ المحتل.