سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

طرطوس القديمة بوابة التاريخ وجارة البحر ومَعْلَمٌ عمراني مميز

للمدن القديمة والأثرية هويتها الخاصة، لما تحمله من تنوع ثقافي واجتماعي، ولتعاقب الحضارات عليها، وتعد مدينة طرطوس القديمة واحدة من تلك المدن الأثرية ذات الطراز المعماري المميز، ومن المدن التاريخية المأهولة بالسكان والمسجلة على لائحة التراث الوطني في سوريا.
مجتمع المدينة القديمة مرتبط بالبحر، الذي يجد فيه مصدر رزقه، وهو يتسم بالبساطة والطيبة والتعاون والتماسك، والتكافل الاجتماعي، ومحافظ على القيم الثقافية وعلى عاداته وتقاليده الموروثة من خلال ما تعلمه أبناؤه من تمازج بين المدينة وبالبحر.
وتحتفظ المدينة القديمة بمعالمها المعمارية والأشكال الهندسية المنسجمة مع أسس التخطيط العمراني، الذي يتمتع بنظام دفاعي مميز، ومن تلك المباني العمرانية الهندسية، المدينة الأسقفية وكاتدرائيتها، التي تعد من أهم وأجمل المباني المعمارية، فما زالت تحافظ على طرازها المعماري من القرون الوسطى، بالإضافة إلى متانتها رغم الحوادث، التي مرت بها وتأثير العوامل الجوية القاسية.
وتتركز المدينة القديمة وسط طرطوس، وتطل على البحر الأبيض المتوسط، وتتميز بقربها من جزيرة أرواد والمرفأ، وتأخذ شكل نصف دائرة متجهة نحو البحر وتتوزع إلى قطاعين رئيسيين؛ الأول القلعة، وتشمل (الواجهة البحرية والخندق والساحة)، والثاني الشريحة الانتقالية (السهلة وجزء من الخراب)، ولها أيضاً أربعة مداخل رئيسية تسمى باسم جامع البلدية، والكورنيش البحري، وجامع السلام والسهلة.
إن المدينة القديمة تضم كاتدرائية سيدة طرطوس، والتي تعد أول كنيسة مكرسة باسم السيدة العذراء في الشرق، التي حظيت بالاهتمام في زمن البيزنطيين، وأعيد بناؤها في عهد الصليبين، وتتميز بطابعها المعماري الفرنجي، ويعود للقرن الثالث عشر، وتراجعت أهميتها بعد خروج الفرنجة من طرطوس، وتحولت إلى جامع عام 1851م ومن ثم حولتها وزارة الثقافة عام 1914م متحفاً.
ومن المعالم الأثرية في المدينة القديمة أيضاً قلعة فرسان الهيكل الواقعة في القسم الشمالي الغربي من المدينة الأسقفية، التي شكلت أساساً للحي السكني، الذي بدأ يتشكل في العصر المملوكي حتى يومنا هذا.
وبنيت القلعة عام 1183 وهي مؤلفة من سور مضاعف محاط بخنادق مائية محفورة في الصخر، يزين مدخلها الرئيسي برج البوابة، وقد بنيت القلعة في القرن 13 الميلادي، وقد شيدت داخل الأسوار المباني التابعة للقلعة وقد أطلق عليها آنئذ المباني الشرقية.
كما تعد مدينة طرطوس القديمة، حسب المصادر التاريخية، ميناء بحرياً منذ العصر الفينيقي، منذ 2000 قبل الميلاد، وكانت تعد من المستوطنات التجارية الهامة لمملكة أرواد الفينيقية.
وقد دخلت إليها المسيحية في القرون الميلادية الأولى بزيارة القديسين لوقا، وبطرس أثناء طريقهما إلى روما، حيث قام لوقا برسم أيقونة للسيدة مريم، وأقام بطرس قداسه الاحتفالي الأول، وبذلك كانت كنيسة انترادوس في الفترة البيزنطية أول كنيسة في العالم، باسم السيدة العذراء (متحف طرطوس حالياً)، والتي أصبحت فيما بعد جزءاً من المدينة الأسقفية الفرنجية أثناء الاحتلال الفرنجي للبلاد.
وفي عام 638 ميلادي فتح العرب المسلمون مدينة طرطوس، وأعيد بناؤها، وحصنت بشكل جيد، وحفظت في مدينه طرطوس نسخة من مصحف الخليفة عثمان بن عفان، وعرفها المسلمون باسم أنطرطوسا في تلك الفترة. وفي عام 1099 ميلادي استطاع الفرنجة السيطرة على طرطوس، وقد شهدت في عصرهم ازدهاراً اقتصادياً ملحوظاً في التجارة والصناعة، وكانت مقصداً للحجاج المسيحيين من أنحاء العالم، ومركزاً هاماً لقياداتهم.
وفي عام 1188 تمكن صلاح الدين الأيوبي من تحرير أرواد، وحاصر طرطوس، فاحتل الكاتدرائية، ولم يستطع تجاوز الأسوار الداخلية لقلعة طرطوس في المدينة الأسقفية لارتفاعه، ووجود الخندق المائي حولها، وفي عام 1291 ميلادي تم دحر الفرنجة على يد الأشرف خليل بن قلاوون، وأخذت المدينة اسمها الحالي طرطوس.
وفي عام 1516ميلادي احتلها العثمانيون، واتبعت لولاية طرابلس، ومن أبرز آثارهم الموجودة حاليا الحمام الشعبي والطراز المعماري للجامع العمري، ودخلت المدينة مثل مدن الساحل السوري في فتره الانتداب الفرنسي عام 1919.
وتعد مدينة طرطوس القديمة، واحدة من أهم المدن الأثرية المسجلة على قائمة التراث الوطني في سوريا، لأنه تم تسجيلها في قائمة المدن الأثرية بموجب قرار وزارة الثقافة رقم 139 لعام 1999.
يشار إلى أن المدينة القديمة تقع شمال غرب مدينة طرطوس فوق مائدة صخرية منبسطة ممتدة على مسافة 300 متر، وتنتهي هذه المائدة في الجهة الغربية عند الشاطئ مباشرة، وتطل على البحر مقابل جزيرة أرواد على مسافة كيلوين متر ونصف إلى الجنوب الغربي داخل البحر.